له ما يعفوه، فقد قال عند قوله تعالى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾: (وبيّنٌ عندي في الآية أن الذي بيده عقدة النكاح: الزوج، وذلك أنه إنما يعفو من له ما يعفوه، فلما ذكر الله جلّ وعز عفوها عما ملكت من نصف المهر، أشبه أن يكون ذكر عفوه لماله من جنس نصف المهر والله أعلم)(١).
أما أبو بكر الجصاص: فلم يعرض أيضًا لحديث عمرو بن شعيب، ولكنه أفاض في الاستدلال بشكل آخر، وأعتبر النزوع إلى القول الأول هو الموافق للأصول؛ فقد قرر أن اللفظ إذا احتمل المعاني، وجب حمله على الأصول، ولا خلاف أنه غير جائز للأب هبة شيء من مال المرأة للزوج، ولا لغيره. فكذلك المهر، لأنه مالها؛ فالقول بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي، مخالف للأصول خارج عنها.
ويرى الجصاص أن قوله تعالى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ لا يجوز أن يتناول الولي بحال، لا حقيقة ولا مجازًا؛ لأن قوله: ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ يقتضي أن تكون العقدة موجودة وهي في يد من هي في يده؛ فأما عقدة غير موجودة، فغير جائز إطلاق اللفظ عليها بأنها في يد أحد، فلما لم تكن هناك عقدة موجودة في يد الولي قبل العقد ولا بعده، وقد كانت العقدة في يد الزوج قبل الطلاق، فقد تناوله اللفظ بحال، فوجب أن يكون حمله على الزوج أوْلى منه على الولي.
ولقد قوى هذه الأولوية عند أبي بكر قوله تعالى في نسق التلاوة: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ ونَدْبه إلى الفضل في قوله سبحانه: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ وليس في هبة مال الغير إفضال منه على غيره، والمرأة لم يكن منها إفضال. وفي تجويز عفو الولي، إسقاط معنى الفضل المذكور في الآية.
ولا شك أن الزوج مندوب إلى ما دعت إليه الآية من هذا الخير، وعفوه وتكميل المهر للمرأة جائز منه، فوجب أن يكون مرادًا بها.