للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما ذكر القاضي العضد: (لا يقال لمن قيل له: صم غدًا، فصام، أنه سارع إليه أو استبق) (١).

هذه هي أهم الأدلة التي جاء بها القائلون بأن الأمر المطلق يقتضي الفور، وقد رأيت، كيف أن أهل المذهب الأول قد أوردوا على كل منها ما منع الاستدلال به، أو أضعفه على الأقل.

[رأينا في الموضوع]

هذا: وقد ظهر مما تقدم أن السلك الذي ينتظم الاتجاه في مسألة دلالة الأمر على الوحدة أو التكرار، كما ينتظم الاتجاه في مسألة دلالته على الفور أو التراخي: إنما هو كون الأمر لمجرد الطلب - كما ثبت لدى الجمهور - وأن الوحدة والتكرار، والفور والتراخي، أمور خارجة صالحة لأن يقيد بها عن طريق القرائن.

ولذا فإننا نميل في مسألة الفور والتراخي، إلى ما اعتبر المذهب المختار عند الحنفية والصحيح عند الشافعية ومن معهم؛ وهو أن الأمر المجرد لا يدل على فور أو تراخ، وإنما يدل على مطلق الطلب: لأنه ليس في لفظ الأمر المجرد عن القرينة ما يقتضي وجوب التعجيل بفعل المأمور به، ولا ما يقتضي جواز التأخير، فكان لا بد من الاعتماد على القرائن لتحديد المجال الزمني الذي يبرأ المكلف عن العهدة إذا امتثل فيه.

وحسنٌ ما أوضحه صاحب "منهاج الوصول" من الزيدية حيث قال: (والحق عندي في هذه المسألة؛ أن لفظ الأمر إنما وضع لمجرد الطلب. والفورُ والتراخي، ونحوهما من التكرار والمرة، موقوفة على القرائن الخارجة عنه، حاليةً كانت، أم مقاليةً، لأنه ليس في لفظ الأمر مع تجرده عن القرائن ما يقتضي وجوب التعجيل، ولا ما يقتضي جواز التأخير، فوجب أن يعتمد في ذلك على القرائن فيختلف الحال بحسبها).


(١) راجع: "العضد على مختصر المنتهى" (٢/ ٨٤) مع السعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>