للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معين، ولكن السجود المطلوب، كان بوقت معين هو وقت تسوية آدم ونفخ الروح فيه، حيث قال جلَّ ذكره: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)[الحجر: ٢٩]. وقد امتثل الملائكة فسجدوا، وفوَّت إبليس الامتثال، فلم يسجد في هذا الوقت الذي عُيِّن للسجود، فجاء الذم من ترك الامتثال في ذلك الوقت المعين. قال ابن أمير الحاج: (فامتناع تأخير السجود عن زمان التسوية والنفخ، مستفاد من امتناع تأخير المظروف عن ظرفه الزماني لا من مجرد الأمر) (١).

د - ونسير مع القائلين بالفور، لنراهم يستدلون أيضًا بقوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ١٣٣] (٢) وقوله جلَّ ثناؤه: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: ١٤٨] (٣) ووجه الاستدلال أن المقصود بالمغفرة في النص الأول سببها، وهو فعل المأمور به، لأن المغفرة نفسها ليست من مقدور العبد.

فيكون في الآية، أمر بالمسارعة إلى الطاعة والامتثال، بفعل المأمور به، وذلك بفعل الخيرات التي جاء الأمر باستباقها في النص الثاني، وعلى هذا: فمن الواجب المسارعة إلى هذا الخير واستباقه، وإنما يتحقق ذلك بفعل المأمور به على وجه الفور (٤).

غير أن الآخرين يحملون الأمر بالمسارعة والاستباق في الآيتين على الأفضلية، لا على الوجوب، وقالوا من ذلك: إنه لو حمل الأمر على الوجوب هنا: لوجب الفور، فلم يكن هناك مسارعة ولا استباق؛ لأنهما إنما يتصوران حيث يكون في المأمور به فسحة وتوسع، لا أن يكون فيه ضيق وتقييد (٥)،


(١) راجع: "التقرير والتحبير شرح التحرير" (١/ ٣١٧).
(٢) انظر ما سلف: (٢/ ٢٨٣).
(٣) انظر ما سلف: (٢/ ٣٨٤).
(٤) راجع: "مختصر المنتهى" مع "شرح العضد" و"حاشية السعد" (٢/ ٨٤)، "الإحكام" لابن حزم (٣/ ٤٥)، "طلعة الشمس" للسالمي الإباضي (١/ ٤٦).
(٥) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>