للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكفي ذلك من مدلول اللغة؛ فإن الوجوب بمعناه الشرعي مرتبط بما جاءت به الشريعة من مفهومات جديدة، عن الحلال، والحرام والثواب، والعقاب.

قال أحمد بن فارس: (الأمر عند العرب ما إذا لم يفعله المأمور سمي عاصيًا).

وقال في مسألة الوجوب: (فإن قال قائل: فما حال الأمر في وجوبه وغير وجوبه؟ قيل له: أما العرب فليس يحفظ عنهم في ذلك شيء، غير أن العادة جارية بأن من أمر خادمه بسقيه ماء فلم يفعل: أن خادمه عاص وأن الآمر معصي) (١).

ب - وأما عن موقف السلف: فإن في الآثار المروية عنهم - وهي السبيل التي تصلنا بحِقبة التنزيل - ما يدل بوضوح على تكرار استدلالهم بصيغة الأمر أو ما في معناها على الوجوب، مع تجردها عن القرائن.

ولقد شاع هذا الاستدلال واستفاض، وظهرت آثاره في مآخذهم للأحكام، دون أن يلقى ما يدل على استنكار ما يجنحون إليه، الأمر أوجب العلم العادي بأن دلالة الأمر هي الوجوب.

[ما يرد على هذا الدليل وجوابه]

ولقد يرد على ذلك، أن الوجوب الذي يُرى في استدلال السلف: مرده إلى قرائن حفت به، فنقلته من الندب إلى الوجوب، بدليل أنهم استدلوا بالأمر على كثير من الأحكام التي تقع في دائرة الندب.

ولكن هذا مردود بما دل عليه الاستقراء من أن القرائن التي صرفت الوجوب إلى الندب في صنيع السلف، هي قرائن تفيد بذاتها الندب. أما الوجوب: فلا يحتاج إلى قرينة، لتبادره إلى الذهن، فهو الأصل، والتحول عنه إنما كان بالقرائن التي عينت معنى من المعاني الأخرى.

وذلك ما قرره الشوكاني تبعًا لابن الحاجب والكمال بن الهمام


(١) انظر: "الصاحبي" (ص ١٥٤ - ١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>