أ - لا يكاد الباحث يجد عند المتقدمين من الأصوليين، كالبزدوي والسرخسي: ما يُشعر بتقسيم دلالة النص إلى قطعية وظنية؛ بل إن كلًا من فخر الإسلام وشمس الأئمة قد عرض للحكم الثابت بهذه الدلالة، دون أن يصفه بالقطع أو الظن، وكان المهم عندهما تحديد الفارق بينها وبين القياس.
ففي دلالة النص: يدرك المعنى المشترك بين المنطوق والمسكوت بمجرد معرفة اللغة، بينما لا بد لإدراك العلة بين المقيس والمقيس عليه في القياس من صفة القدرة على الاستنباط.
وقد أفاض السرخسي في الأمثلة من نصوص الكتاب والسنّة وبيان مدلولاتها من الأحكام، وتأكيد أن هذه الأحكام ثبتت بدلالة النص ولم تثبت بالقياس.
وإذا كان مجرد العلم باللغة كافيًا لإدراك العلة التي يمكن أن تجمع بين المنطوق والمسكوت عنه في دلالة النص، لقد كان حريًا أن يكشف البزدوي والسرخسي النقاب عن هذه الفكرة التي لزم عنها أن دلالة النص يشترك في فهمها حتى غير الفقهاء، بينما لا يستطيع كشف العلة في القياس إلا الفقهاء والمستنبطون. هذه هي النقطة الأساسية التي عُني بإيضاحها - كما قدّمنا - أولئك العلماء، ألا وهي تحديد الفارق بين دلالة النص وبين القياس، أما كون هذه الدلالة قطعية أو ظنية: فهم لم يُعنَوا بهذا الأمر.
ب - غير أنا نجد عند بعض المتأخرين تقسيم دلالة النص إلى قطعية وظنية.