للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ﴾ ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ﴾ [يوسف: ١٠٠، ٦، ٤٥، ٣٧] (١).

ولقد يؤيد ذلك ما روي عن عائشة : "كان النبي يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم وبحمدك"، يتأول القرآن" (٢) تعني أنه يفعل ذلك عملًا بقوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ [النصر: ٣].

ومثل ذلك ما حدّث به الزهري قال: "قلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر - يعني الصلاة - قال: تأولت كما تأول عثمان، أراد بتأويل عثمان ما روي عنه أنه أتمّ بمكة في الحج، وذلك أنه نوى الإقامة بها" (٣).

حتى من الناحية العملية، كانوا يرون تأويل الكلام حالة كونه أمرًا ونهيًا، هو فعلُ المأمور به نفسه، وتركُ المنهي عنه قال سفيان بن عيينة: (السنّة تأويل الأمر والنهي) (٤) فكأنه يرى أن التأويل في الأمر والنهي هو بامتثال ما يؤول إليه الطلب فيهما، وهو أن يفعل المؤمن ما أُمِرَ به، وينتهيَ عما نُهِيَ عنه.

ثالثًا - التأويل عند العلماء الأولين:

ويبدو أن العلماء الأولين: لم يختلفوا في فهمهم للتأويل عن نهج السلف قبلهم، ولنأخذ مثالًا لذلك، صنيع الإمامين: محمد بن إدريس الشافعي، ومحمد بن جرير الطبري، في بعض ما خلفاء لنا من آثار.

فالشافعي - أخذًا من معنى الإرجاع والتصيير - سمّى حمل اللفظ على معنًى من المعاني التي يحتملها: تأويلًا. فالتأويل في هذه الحالة: إرجاع


(١) انظر: "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ١١٩ - ١٢٠).
(٢) أخرجه البخاري (٨١٧)، ومسلم (٤٨٤)، وأبو داود (٨٧٧)، والنسائي (١٠٤٦، ١١٢٢)، وابن ماجه (٨٨٩) وغيرهم.
(٣) راجع: "النهاية" لابن الأثير (١/ ٥١).
(٤) راجع: "موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" لابن تيمية (١/ ١٢٠) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>