للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنضبط - بالدقة والحذر والأمانة. وقد عمل أئمة الحديث المخلصون على تنقيتها من آثار وضع الوضاعين، أو جهل الغافلين.

على أن من المسلَّم به، أنه ليس كل من نقل السنن، قد أحاط بها، ولكن مجموع ما نقل يشكل إحاطة تجعلنا مطمئنين إلى أن الكتاب قد وصل إلينا بيانه، وما علينا إلا الاطلاع على هذا البيان وإدراك مراميه.

وقد أشار الإمام الشافعي في أكثر من موطن إلى أن علم عامة أهل العلم إذا جُمع أتى على السنن، وما يذهب على واحد منهم نجده عند غيره، قال : (لا نعلم رجلًا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم: ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب إليه موجودًا عند غيره).

ثم قال: (وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها، دليلًا على أن يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم، بل يطلب عند نظراته ما ذهب عليه، حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله - بأبي هو وأمي - فيتفرد جملة العلماء بجمعها، وهم درجات فيما وعوْا منها) (١).

وإذا كان الأمر كذلك، فكثير من المسائل التي تبدو مستعصية أو مثار اختلاف عند الاستنباط، يمكن أن يتبين وجه الحق فيها - ولو بغلبة الظن - عن طريق الإحاطة بما يتعلق بها من السنة، التي أدّت وظيفة البيان.

[حالتان للبيان]

على أن البيان كما - أسلفنا - قد يكون شافيًا، فيصبح النص مفسَّرًا غنيًا عن أي إيضاح، فلا حاجة تدعو إلى أي تأمُّل أو اجتهاد. وقد لا يكون شافيًا، فيصبح المجمَل مشكلًا (٢)؛ وذلك كالربا عند فريق من العلماء،


(١) راجع: "الرسالة" (ص ٤٢ - ٤٣)؛ وانظر هناك تعليق الشيخ أحمد شاكر، الواضح المسهب في إثبات ما قاله الإمام الشافعي، والاستدلال بهذا القول على بُعد نظر الإمام ودقته فيما ذهب إليه.
(٢) ولذلك سمى بعض الفضلاء هذا النوع من المجمل (المجمل المشكل). انظر: "أصول الفقه" للشيخ زكريا البرديسي (ص ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>