للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا والذي أوردناه من الشواهد قليل جدًّا من كثير. وفي ذلك كله ما يدل على أن الصحابة كانوا يرون وجوب العمل بالعام، وإجراءه على عمومه إلا إذا قام دليل على تخصيصه، وأنهم كانوا يطلبون دليل الخصوص، لا دليل العموم (١).

وبناءً على هذا: نُقل إلينا إجماعهم على إجراء قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ [النور: ٢] ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨] ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ [الإسراء: ٣٣] ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٨] ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] ﴿لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ٩٥] وقوله : "لا وصية لوارث" (٢) "مَن ألقى السلاح فهو آمن" (٣) … إلى غير ذلك - مما لا يحصى - على العموم.

وذلك ما سلكه التابعون والأئمة من بعدهم، قبل ظهور الواقفية في القرن الرابع كما سلف، لذا كان القول بالتوقف أو بأخص الخصوص - كما يقول عبد العزيز البخاري - مخالفًا للإجماع فوجب رده (٤).

[إيراد وجوابه]

وأهم ما أورد على الاحتجاج للعموم بهذا القول: القول بأن إجراء الصحابة ما ذكر من الآيات والأخبار على التعميم: لم يكن بناء على عموم تلك الألفاظ، وإنما كان بناء على ما اقترن بها من العلل كالسرقة، والزنى، وقتل الظالم إلى غير ذلك.


= سياق النفي لكن عمومها هنا بحسب الظاهر - قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقويه نحو: (من) في قوله: ما جاءني من رجل، أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية وبين لهم النبي أن ظاهرها غير مراد، بل هو من العام أي أريد به الخاص؛ فالمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك).
(١) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ١٣٦) فما بعدها.
(٢) انظر ما سلف (٢/ ٢١).
(٣) انظر ما سلف (٢/ ١٦).
(٤) راجع: "كشف الأسرار شرح أصول البزدوي" (١/ ٣٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>