للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر ذلك الإمام الغزالي مع أنه من أرباب العموم؛ لأنه ارتضى سبيلًا آخر للاستدلال كما مر (١).

وتابعه الآمدي فيه وهو من أرباب الخصوص (٢).

والواقع أن ذلك منقوض بأن المنقول احتجاج بعضهم على بعض بصيغة العموم فقط، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم وهذا يقين.

وتوقع القرينة أو البيان شك، ولا يترك اليقين للشك؛ لأن في قولهم تعطيلًا للمنقول، وإحالة عن سبب آخر لم يعرف.

ثم إن لزوم العمل بالمُنزَل، كما قال السرخي، حكم ثابت إلى يوم القيامة، فلو كان ذلك في حقهم باعتبار دليل آخر، ما وسعهم ترك النقل فيه، ولو نقلوا ذلك لظهر وانتشر (٣).

كيف ورسول الله المبلغ عن ربه، أعطاء الله وظيفة البيان لكتابه، وقد نقل إلينا بيانه . فما احتج به الصحابة رضوان الله عليهم ولا بيان معه، والقرينة مشكوك بأمرها، فمرده إلى العموم في هذه الأمثلة المتقدمة.

ثم إن فتح هذا الباب: يؤدي إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر، لجواز أن يفهم بالقرائن، فإن الناقلين لنا لم ينقلوا نص الواضع، بل أخذوا الأكثر في تتبع موارد الاستعمال (٤).


(١) راجع: "المستصفى" (٢/ ٤٤ - ٤٥)، "أصول السرخسي" (١/ ١٣٦).
(٢) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (٢/ ٣٠٨).
(٣) وقد أيد شمس الأئمة ما قال بحديث أبي بكر حين بلغه اختلاف الصحابة في نقل الأخبار حيث جمعهم فقال: إنكم إذا اختلفتم فمن بعدكم يكون أشد اختلافًا … الحديث إلى أن قال: فيكم كتاب الله تعالى، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه. قال السرخسي: (ولم يخالف أحد منهم في ذلك، فعرفنا أنهم عرفوا المراد بعين ما هو المنقول إلينا، لا بدليل آخر غير منقول إلينا) "أصول السرخسي" (١/ ١٣٦).
(٤) راجع: "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>