المحال. وما لا يتعلق بأحكام التكليف: لا يبعد استمرار الإجمال فيه، واستئثار الله تعالى بسرٍّ فيه. وقد قرّر ﵀ أنه ليس في العقل ما يحيل ذلك، كما أن السمع لم يرد بما يناقضه (١).
ولقد عرضنا لهذه النقطة عند ذكر المتشابه في اصطلاح متأخري الحنفية، وأوضحنا هناك أن المتشابه - كما يراه أصحاب هذا الاصطلاح - لا يمكن أن يكون موطنه نصوص الأحكام التكليفية، وأن ذكره بين تلك الأقسام استطرادي. والأولى به والأحرى: علم الكلام.
لذا، فإن إمام الحرمين، عرض للقضية من خلال هذا التطابق بين المجمَل والمتشابه، حيث أبان - كما سلف - أن ما له علاقة بالتكليف: لا يمكن استمرار الإجمال فيه، وما لا علاقة له به: فلا مانع من استئثار الله تعالى بسرَّ فيه: فإن المؤدى واحد؛ وهو أنه لا إجمال بعد الرسالة، ولا تشابه فيما له علاقة بالأحكام من نصوص الكتاب أو السنة.
[ما نراه في تقسيم المبهم]
ونحن بعد ذلك كله نميل إلى اصطلاح الحنفية في تقسيم المبهم من الألفاظ متدرجًا في مراتب الإبهام؛ من خفاء عارض يزول بأدنى تأمُّل وهي حال الخفي، إلى خفاءٍ ذاتي يمكن أن يزول بالقرائن والاجتهاد، وهي حال المشكل، إلى خفاء ذاتي لا يمكن أن يزول إلا ببيان من صاحبه، وهي حال المجمَل … أما المتشابه: فلنا فيه كلام - كما سبق - وهكذا نميل إلى هذا الاصطلاح، مع الاحتفاظ برأينا في المتشابه وذكره على أعلى صعيد من هذه الأقسام، حامدين للمتكلمين صنيعهم في إبعاد ما لا يمكن بيانه وإدراكُه: عن مواطن الأحكام.
وعلى هذا: فما الذي يمنع من بقاء الخفي والمشكل والمجمَل، والإفادة مما كان عليه الأمر قبل القرن الخامس فيما رأينا عند أبي الحسن الكرخي وأبي بكر الجصاص؟ ما أحسبنا نعدو على الحقيقة، أو نسيء إلى مناهج الاستنباط، إذا سمّينا ذلك المجمّل بالمتشابه على المعنى اللغوي حيث يكون