وإذا كان قد التقى مع المتكلمين في تعريف المجمَل، فقد افترق عنهم أيضًا في عدم التعرض لأية علاقة بين المجمَل والمتشابه، ولو في الحدود التي أرادوها، بل جعل المتشابه محصورًا في غير دائرة الأحكام التكليفية، وطوى تحته أفرادًا معينة بذواتها.
وبهذا تستطيع أن نقرر أن المبهم من الألفاظ عند ابن حزم هو: دائرة الشرائع - على حد تعبيره - وعنوانه:(المجمَل) الذي يقتضي تفسيرًا يؤخذ من لفظ آخر مفسّر، يفهم منه معنى المجمَل المذكور.
ولقد استراح أبو محمد ﵀ وأراح، حين فرّق بين المجمَل والمتشابه وجعل لكلِّ دائرته، والموطن الذي يمكن أن ينسب إليه، دون الوقوع في نوع من التعقيد، قد تنبو عنه طبيعة اللسان العربي الذي نزلت به شريعة القرآن.
[نتائج ومقارنة]
ويمكن بعد هذا التطواف أن نخلص إلى ما يلي:
١ - المجمَل عند المتكلمين: يشمل أنواع المبهم عند الحنفية ما عدا المتشابه؛ فهو أعم عند المتكلمين.
لذلك كان كل مجمل عند الحنفية، مجملًا عند المتكلمين ولا عكس، ويتضح ذلك فيما مرّ بنا من أمثلة المجمَل عند المتكلمين؛ فلقد رأينا مثلًا ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] يؤتى به في عداد أمثلة المجمَل، وهو عند الحنفية من المشكل كما نعلم.
على أن المجمَل والمتشابه اسمان لمسمَّى واحد عند الجمهور من المتكلمين، ويعتبر بعضهم المجمَل نوعًا من المتشابه.
أما المتشابه عند الحنفية في أقسام المبهم من الألفاظ: فله شأن آخر، ولقد أوضحنا فيما سبق رأينا في إدخاله ضمن تلك الزمرة، التي عُدَّ منها في مرحلته الثانية التي بدأت فيما نقدر بالقرن الخامس الهجري، وذكرنا من أعلامها الدبوسي، والبزدوي، والسرخسي، ومَن سلك سبيلهم فيما بعد.