للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصوص هذه الشريعة في ذاتها، ولا يجوز أن نحمِّل الشريعة أمرًا عائدًا إلى الباحث نفسه، لا إليها هي، علمًا بأن نصوصها منزَّهة عن العبث والتناقض.

[نموذج لأقسام الواضح الأربعة]

حاول بعض الأصوليين أن يقدّم أنموذجًا لأقسام الواضح الأربعة في نص من النصوص.

وكان النص هو قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)[الحجر] (١) حيث قرروا أنه يصلح نظيرًا لمراتب الوضوح في الأقسام الأربعة، باعتبارات أربعة:

فهو (ظاهر) - كما يقولون - باعتبار دلالته على سجود الملائكة؛ لأن السجود لفظ خاص يحتمل التأويل، وذلك بأن يراد به نوع من الانحناء أو الخضوع، وليس السجود الحقيقي.

وهو (نص): باعتبار دلالته على أن كل الملائكة قد سجدوا؛ فقد ازداد وضوحًا على الظاهر بمعنًى من المتكلم، لأنه سيق لبيان أنه لم يخرج عن طاعة الله في أمره بالسجود إلا إبليس.

وهو (مفسَّر) باعتبار دلالته على قطع الاحتمال؛ فلقد كان محتملًا أن يكون الملائكة قد سجدوا متفرقين، فقطع هذا الاحتمال بقوله تعالى: ﴿أَجْمَعُونَ﴾.

وقالوا: إنه (محكَم) باعتباره إخبارًا عن حادث وقع، وأخبار الشارع لا تقبل النسخ والإبطال.

ولكن البعض الآخرين لم يرتضوا ذلك، واعتبروا أن التمثيل بالآية للأقسام الأربعة غير منطبق عليها كلها.

[مدى شمول التفسير - كما أردناه - للأقسام الأربعة]

أما شموله للظاهر والنص: فواضح؛ ذلك أن دلالتهما على الحكم - وإن كانت قطعية - فإن القطع هنا مراد به معناه الأعم، وهو عدم الاحتمال


(١) راجع: "كشف الأسرار" شرح البزدوي (١/ ٥١)، "التلويح على التوضيح" (١/ ١٢١)، "أصول التشريع الإسلامي" للأستاذ علي حسب الله (ص ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>