للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- والقياس - وحاول أن يهدم استدلالهم بأنها - أي تلك النصوص - تعطي أحكامًا عن طريق المفهوم، أو القياس - على حد تعبيره - وأن القول بغير ذلك خروج عن المعقول وعن اللغة. ولم يعتبر ما جاؤوا به حول هذه النصوص حججًا أو شبهًا على الأقل، وإنما اعتبر ذلك - سامحه الله - نوعًا من الشعب والتمويه.

قال في "الإحكام": (وقد شغب أصحاب القول بالقياس بأشياء موّهوا بها. . . فمما شغبوا به آن قالوا: قال الله ﷿: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ فوجب إذ منع من قول (أُف) للوالدين أن يكون ضربهما، أو قتلهما أيضًا ممنوع لأنهما أولى من قول (أُف) وقال تعالى: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] قالوا: فوجب أن ما فوق القنطار وما دونه، داخل كل ذلك في حكم القنطار في المنع من أخذه، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧]، وقال تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)[الزلزلة] قالوا: فعلمنا أن ما فوق الذرة وما دونها يرى أيضًا. وقال تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ [آل عمران: ٧٥] قالوا: فعلمنا أن ما فوق القنطار والدينار وما دونهما في حكم القنطار والدينار، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] قالوا: فعلمنا أن ما عدا الأكل من اللباس وغيره حرام إذا كان بالباطل، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] قالوا: فعلمنا أن قتلهم لغير الإملاق حرام، كما هو خشية الإملاق.

ومما جاء به ابن حزم عن الجمهور أنهم قالوا: وقول الناس: لا تعطِ فلانًا حبّة، فإنه مفهوم منه أن ما فوق الحبة وما دونها داخل كل ذلك في حكم الحبة، وأنهم قالوا: ومَن ادعى من الآيات السالفة فهمَ ما عدا ما فيها من غيرها: فهو خارج عن المعقول وعن اللغة (١).

[الأساس الذي قام عليه مسلك ابن حزم]

وابن حزم في موقفه من مفهوم الموافقة، إنما يعتمد عمومًا على أن ما ترد إليه كل الأحكام المأخوذة من النصوص السابقة، إنما هو نصوص


(١) راجع: "الإحكام" (٧/ ٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>