للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك. . . وكقول الشافعي: إذا وجب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا: فهو من الخنزير كذلك. . . إلخ.

والقسم الثالث: قسم الأدنى: وهو نحو قول مالك وأبي حنيفة: إذا وجب القطع في مقدار ما في السرقة - وهو عضو يستباح - فالصداق في النكاح مثله. فهذه أقسام القياس عند المتحذلقين به.

وذهب أصحاب الظاهر إلى إبطال القول بالقياس في الدين جملة، وقالوا لا يجوز الحكم البتة في شيء من الأشياء كلها إلا بنص كلام الله تعالى، أو نص كلام النبي أو بما صحّ عنه من فعل أو إقرار أو إجماع من جميع علماء الأمة كلها متيقن أنه قاله كل واحد منهم، أو بدليل من النص، أو من الإجماع المذكور الذي لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا) (١).

وجاء ابن حزم بنصوص تدل - كما يقول - على أنه لا علم في الدين إلا ما علّمنا الله، وما جاءت به كتبه ورسله، والقياس في الدين علم ليس عن طريق الله، ولم يأذن به، وهو حينئذ من الشيطان لأن الله يقول عن إبليس اللعين: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)[البقرة] والقائل بالقياس، مفتر على الله بأن دينه لم يكمل والله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (٢) ففي نصوص الشريعة الكفاية، لأن أحكام الحوادث فيها متقررة ثابتة ولا حاجة إلى القياس بأي نوع من أنواعه (٣).

ب - أما الطريق الثانية التي سلكها ابن حزم - وهي متكاملة مع الأولى -: فهي أنه أتى بمجموعة من النصوص التي يوردها الجمهور في معرض مفهوم الموافقة


(١) "الإحكام في أصول الأحكام" (٧/ ٥٥ - ٥٦).
(٢) قال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)﴾ [المائدة].
(٣) راجع: "الإحكام" (٨/ ١ - ٩) "النبذ في أصول الفقه الظاهري" لابن حزم تعليق الشيخ زاهد الكوثري (ص ٥٠ - ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>