للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحكمها كحكم هذه التي خوطبنا بها. وكان كيِّسًا حين عدّ من سمَّوا مفهوم الموافقة قياسًا: من الأكياس، فكأنه رآهم أبعد عن التناقض مع أنفسهم، وإن كان يراهم منحرفين بسبب قولهم بالقياس.

وفي رده لمفهوم الموافقة اعتبره على لسان القائلين به قسمًا من أقسام دليل الخطاب، كما ذكرنا (١).

ويلاحظ الباحث أن ردّه على القائلين بهذا المفهوم قد سار في طريقين: الأولى: طريق رد القياس وذلك بإقامة الأدلة التي يراها صالحة لهدم كل ما جاء به القائلون بالقياس، ومهّد لذلك بزعمه أن القول بالقياس هو اتجاه طوائف من المتأخرين ولا علاقة للمتقدمين به، وإذا كان مفهوم الموافقة قياسًا في نظره، فكل ما يقال في رد القياس: فهو صالح لرد مفهوم الموافقة، لأن القياس باطل بجميع أنواعه (٢).

جاء في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" قوله عن القيّاسين: (وقسموا القياس ثلاثة أقسام:

فقسم: هو قسم الأشبه والأولى، وهو أن قالوا: إذا حكم في أمر كذا بحكم كذا: فأمر كذا أولى بذلك الحكم، وذلك نحو قول أصحاب الشافعي: إذا كانت الكفارة واجبة في قتل الخطأ، وفي اليمين التي ليست غموسًا: فقاتل العمد وحالف اليمين الغموس أوْلى بذلك وأحوج إلى الكفارة.

وقسم ثان: وهو قسم المثل: وهو نحو قول أبي حنيفة ومالك: إذا كان الواطئ في نهار رمضان عمدًا تلزمه الكفارة: فالمتعمد للأكل مثله في


(١) راجع: "الإحكام في أصول الأحكام" (٧/ ٢ - ٤) "النُّبذ" لابن حزم تعليق الكوثري (ص ٥٢)، "ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتعليل" له أيضًا تحقيق سعيد الأفغاني (ص ٢٧).
(٢) قال في "الإحكام" (٧/ ٥٣): (ذهب طوائف من المتأخرين من أهل الفتيا إلى القول بالقياس في الدين، وذكروا أن مسائل ونوازل، لا ذكر لها في نص كلام الله تعالى ولا في سنة رسول الله ، ولا أجمع الناس عليها، قالوا: فننظر إلى ما يشبهها مما ذكر في القرآن، أو في سنة رسول الله فنحكم فيما لا نص فيه ولا إجماع، بمثل الحكم فيما فيه نص أو إجماع، لاتفاقهما في العلة التي هي علامة الحكم، هذا قول جميع حذّاق أصحاب القياس).

<<  <  ج: ص:  >  >>