ومن تعارض المفسَّر مع المحكَم، قوله تعالى في شأن الشهادة والشهود: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] مع قوله تعالى في شأن المحدودين حد القذف: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ (١).
فالنص الأول: مفسَّر في قبول شهادة العدول، فلا يحتمل قبول شهادة غيرهم؛ لأن الإشهاد إنما يكون للقبول عند الأداء. وإذا كان الأمر كذلك: فهو يقتضي بعمومه قبول شهادة المحدود في القذف إذا تاب؛ لأنه يصدق عليه أنه عدل بعد التوبة.
والنص الثاني: محكم، لوجود التأبيد فيه صريحًا، فيقتضي عدم قبول شهادة المحدود بالقذف وإن تاب. فيترجح النص الثاني - وهو المحكَم القاضي بعدم القبول - على النص الأول، وهو المفسَّر القاضي بالقبول؛ فلا تقبل شهادة من أقيم عليه حد القذف، ولو كان عدلًا وقت الشهادة؛ بأن تاب بعد إقامة الحد عليه.
[ما يرد على هذا المثال، ورأينا في ذلك]
هذا: وقد يرد على التمثيل بالآيتين المذكورتين أنه إذا كانت الآية الثانية محكمة لما فيها من التأبيد، فإن الآية الأولى ليست من المفسَّر.
أ - ذلك لأن المفسَّر - كما سبق - لا يحتمل إلا النسخ. وقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ﴾ يحتمل الإيجاب والندب بالاشتراك اللفظي أو المعنوي، أو بالحقيقة والمجاز، ويتناول بإطلاقه الأعمى والعبد، مع أن الإجماع منعقد على أنهما ليسا بمرادين.
ب - كما أنه من غير المسلَّم به، أن الإشهاد إنما يكون للقبول؛ لجواز