للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا - تعارض المفسَّر مع المحكَم:

ومن تعارض المفسَّر مع المحكَم، قوله تعالى في شأن الشهادة والشهود: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] مع قوله تعالى في شأن المحدودين حد القذف: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ (١).

فالنص الأول: مفسَّر في قبول شهادة العدول، فلا يحتمل قبول شهادة غيرهم؛ لأن الإشهاد إنما يكون للقبول عند الأداء. وإذا كان الأمر كذلك: فهو يقتضي بعمومه قبول شهادة المحدود في القذف إذا تاب؛ لأنه يصدق عليه أنه عدل بعد التوبة.

والنص الثاني: محكم، لوجود التأبيد فيه صريحًا، فيقتضي عدم قبول شهادة المحدود بالقذف وإن تاب. فيترجح النص الثاني - وهو المحكَم القاضي بعدم القبول - على النص الأول، وهو المفسَّر القاضي بالقبول؛ فلا تقبل شهادة من أقيم عليه حد القذف، ولو كان عدلًا وقت الشهادة؛ بأن تاب بعد إقامة الحد عليه.

[ما يرد على هذا المثال، ورأينا في ذلك]

هذا: وقد يرد على التمثيل بالآيتين المذكورتين أنه إذا كانت الآية الثانية محكمة لما فيها من التأبيد، فإن الآية الأولى ليست من المفسَّر.

أ - ذلك لأن المفسَّر - كما سبق - لا يحتمل إلا النسخ. وقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ﴾ يحتمل الإيجاب والندب بالاشتراك اللفظي أو المعنوي، أو بالحقيقة والمجاز، ويتناول بإطلاقه الأعمى والعبد، مع أن الإجماع منعقد على أنهما ليسا بمرادين.

ب - كما أنه من غير المسلَّم به، أن الإشهاد إنما يكون للقبول؛ لجواز


(١) قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾ [النور].

<<  <  ج: ص:  >  >>