للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففي المثال المذكور: إنما عُد الولد ممتثلًا لأن المأمور به - وهو الحقيقة - حصل في ضمن المرة، لا لأن الأمر ظاهر في المرة بخصوصها فإنه غير ظاهر فيها، ولا في التكرار، بل في المشترك، ويحصل في ضمنهما، ولولا ذلك لما امتثل بالتكرار.

[حول وجود مذهب المرة]

لقد علمنا من قبل أن القول بالمرة معزو إلى أكثر الشافعية، وأن أبا إسحاق الإسفراييني يرى أنه مقتضى كلام الشافعي، وأنه الصحيح الأشبه بمذاهب العظماء.

غير أن بعض العلماء يرى أن القول بأن مقتضى الأمر مرة واحدة بخصوصها: ليس مذهبًا قائمًا بذاته، وأن الذين يعبرون بالمرة إنما يريدون ما يقوله أصحاب المذهب الأول من أن المرة ضرورية لتحقيق وجود الفعل المأمور به، فإذا عبروا بالمرة فهذا مرادهم.

فقد نقل عبد القادر بدران في كتابه "نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر" لابن قدامة المقدسي، عن الواسطي أحد شراح "مختصر المنتهى" لابن الحاجب: أنه قال عند ذكره لمذهب أكثر الشافعية: (وإنما تفيد - أي صيغة الأمر - طلب الماهية من غير إشعار بالوحدة والكثرة، ثم لا يمكن إدخال الماهية في الموجود بأقل من مرة فوقعت المرة ضرورة) وأضاف إلى ذلك قوله: (وهو رأي أكثر أصحابنا - يعني الشافعية - وإن صرح أحد منهم باقتضاء المرة فهذا مراده) (١).

والسبكي بعد أن عرض للقائلين بالمرة قال: (النَّقَلة لهذا عن أصحابنا لا يفرقون بينه وبين الرأي المختار، وليس غرضهم إلا نفي التكرار، والخروج من العهدة بالمرة) واستدل السبكي على ذلك بقوله: (ولذا لم يحك أحد منهم المذهب المختار مع حكاية هذا، فهو عندهم هو) (٢).


(١) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" لبدران شرح "روضة الناظر" لابن قدامة (٢/ ٧٨).
(٢) راجع: "جمع الجوامع" مع "شرح المحلى" و "حاشية البناني" (١/ ٣٧٩)، "التقرير والتحبير شرح التحرير" (١/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>