للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسلك البيضاوي والإسنوي]

والقاضي البيضاوي صاحب "منهاج الوصول"، يرى أن الأمر المعلق على الشرط والصفة لا يقتضي التكرار لفظًا، وإنما يقتضيه قياسًا: بمعنى أن التكرار لا يكون بموجب اللغة، بل يكون بمقتضى القياس.

وذلك لأن ترتيب الحكم على الوصف أو الشرط، يفيد علِّية الشرط أو الصفة لذلك الحكم، فيتكرر الحكم بتكرر ذلك؛ لأن المعلول يتكرر بتكرر العلة (١).

فحين نعبر بالقياس، وأن التعليق بالوصف أو الشرط مشعر بالعلية، فمعنى ذلك أن التكرار لم يكن من الأمر، وإنما كان من اقتضاء تكرار المعلول بتكرر العلة.

وقد مثل البيضاوي بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦]، وبقوله سبحانه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨].

فترتيب الحكم في النص الأول على الشرط، وفي الثانية على الوصف، أفاد العلِّية في المحكم، ومن هنا جاء التكرار.

هذا وترتيب الحكم على الوصف أو الشرط، إنما يفيد العلية إذا كان في نصوص الكتاب أو السنة؛ لأن المعتبر تعليل الشارع. أما في كلام الناس: فليس كذلك.

ومن هنا يجيء الجواب على عدم لزوم تكرار الطلاق بتكرار القيام فيما إذا قال: إن قمت فأنت طالق؛ لأن وقوع الطلاق حكم شرعي، وآحاد الناس لا عبرة بتعليلهم في أحكام الله تعالى، لأن من نصب علة لحكم، فإنما يتكرر حكمه بتكرر علته لا حكم غيره، فلذلك لم يتكرر الطلاق منه، قال الإسنوي:


(١) "منهاج الوصول مع شرحه نهاية السول" (٢/ ٤٨ - ٤٩) مع "البدخشي".
وانظر: "جمع الجوامع للسبكي مع شرحه للمحلي وحاشية البناني بتقرير الشربيني" (١/ ٢٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>