للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف صاحب "منهاج الوصول"]

ولقد حاول أحمد المرتضى من الزيدية الدفاع عن تأويل الحنفية، فقرر أن اعتبار هذا التأويل بعيدًا: لا وجه له، فإن قوله: "أمسك أربعًا" يحتمل العقد احتمالًا ظاهرًا. أما القول بأنه لم ينقل تجديد عقد: فلعله أمسك الأوائل، فلم يُحْتَجْ إلى التجديد، إذ لم يصح أنه عقد على العشر في عقد واحد (١).

وأنت ترى أن الدفاع عن التأويل: يكاد يكون أضعف من التأويل نفسه.

وهكذا وقع المتأولون في هذه المسألة بحكم مبني على تأويل جد بعيد؛ لأنهم أرادوا ترجيح الاحتمال البعيد بقياس ضعيف، في مقابل ظاهر قوي، مع أن البعيد من الاحتمالات، لا يقوى على ترجيحه على الظاهر، إلا القويُّ من الأدلة.

٢ - وبمثل ما مرّ: تأوّل الحنفية حديث فيروز الديلمي، الذي روي أنه قال: "أسلمت وعندي امرأتان أختان، فأمرني النبي أن أطلق إحداهما" (٢).

فقد قاسوا فيروز الديلمي - وهو كافر أسلم - على المسلم؛ فكان تأويل "طلق إحداهما" فارقهما إذا كان العقد واحدًا، ثم تزوج بواحدة منهما إن شئت. وإذا كانتا بعقدين مرتبين، فزواج الأولى صحيح، وعليك أن تفارق الثانية؛ لأن زواجها لم يصح.

وما قيل هناك عن هذا التأويل والحكم عليه بالبُعد: يقال هنا.

ولكن مما يزيد في ضعف تأويلهم هنا، ما جاء في بعض الروايات من لفظ: "اختر أيهما شئت" كان ذلك في رواية الترمذي، الأمر الذي دلّ صراحة على أن الترتيب غير معتبر (٣).


(١) راجع: "منهاج الوصول إلى شرح معيار العقول" في أصول الزيدية (ق ٤٩) مخطوطة دار الكتب المصرية.
(٢) رواه أحمد (١٨٢٠٥)، وأبو داود (٢٢٤٣)، والترمذي (١١٢٨)، وابن ماجه (١٩٥٣)، وفي لفظ للترمذي (١١٢٩): "اختر أيهما شئت". وانظر: "الأم" للشافعي (٤/ ١٨١)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٦/ ١٧٠)، "بلوغ المرام" للحافظ ابن حجر مع "سبل السلام" للصنعاني (٣/ ١٤٨) "جامع الترمذي": (ص ٢٦٤).
(٣) "الأم" (٤/ ١٨٠ - ١٨١)، "المستصفى" للغزالي (١/ ٣٩٠ - ٣٩٢)، "مختصر المنتهى" لابن الحاجب مع شرحه للعضد (١/ ٣٠٤)، "الإحكام" للآمدي (٣/ ٧٦ - ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>