وهكذا يكون الحكم بناء على هذا التأويل: أنه إن نكحهن معًا، فليس له إمساك واحدة منهن، وإن نكحهن متفرقات، أمسك أربعًا من الأوليات.
وقد استند الحنفية في هذا التأويل إلى القياس؛ وذلك بتشبيه العقد على النسوة قبل الإسلام، بالعقد عليهن بعد الإسلام.
فالمسلم إذا تزوج أكثر من أربع زوجات في عقد واحد، كان الزواج باطلًا في حق كل واحدة منهن وعليه أن يفارقهن جميعًا، وله بعد ذلك أن يتزوج بأربع منهن إذا شاء.
ولو تزوج أكثر من أربع في عقود مرتبة لكل واحدة منهن: لم يصح نكاح الزوائد على الأربع، ووجب عليه المفارقة، حتى لا يبقى في عصمته أكثر من أربع زوجات، وقوفًا عند حدود الشريعة. وبهذا القياس حكَم الحنفية في هذه الحالة - على الكافر إذا أسلم - حُكمهم على المسلم.
ولقد كان من الممكن أن يستقيم لهم أمر هذا القياس فيكون التأويل قريبًا، لولا عدة قرائن حقّت بالظاهر، فقوّته وباعدت الاحتمال، مما جعل تأويلهم غايةً في البُعد.
أ - فالذي يسبق إلى الأفهام من لفظ الحديث: الاستدامة، لا ابتداء النكاح.
ب - كما أن الذي تدل عليه المفارقة هو: التسريح، لا ترك النكاح.
ج - ثم: إن هذا الخطاب وقع لغيلان بن سلمة، وهو حديث عهد بالإسلام، وليس له معرفة بأحكام الحلال والحرام من نكاح ولا غيره. ولو كان الحكم الذي أوّل الحنفية إليه الحديث هو المراد، لبيّنه الرسول ﷺ، وما أحوج رجلًا قريب عهد بالإسلام إلى بيان حكم لا يوقف عليه إلا بالبيان، خصوصًا في أمر يتوقف عليه استحلالُ يضع المرأة، وضبطُ الأنساب بين الناس (١).
د - يضاف إلى ذلك أنه لم يُنقَلْ تجديد عقد قط، لا من غيلان ولا من غيره، مع كثرة الكفار الذين أسلموا، ووجود رسول الله ﷺ المبين عن الله بين ظهرانيَهم.