للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصمعي والخليل (١) وأبي عبيد وسيبويه (٢). وإنما كان الأمر كذلك، لأن من المتعذر الحصول على التواتر في مثل هذه الأمور، فأنّى لناقل بيت من الشعر الجاهلي بالتواتر، أو إثبات أن العرب كانت تفهم كذا أو تقول كذا، بالتواتر (٣). على أن الحكم الذي يرتبه العلماء على القاعدة اللغوية - كما قدّمنا - لا يوصف بالقطعية، وإنما الأمر في حدود غلبة الظن.

[استدلال الجويني لمذهبه]

قدّمنا عند ذكر المذاهب أن إمام الحرمين فرق بين حالين:

فإذا كان الوصف المذكور مناسبًا للحكم الذي أُعطي للمنطوق: قال بمفهوم الصفة، وإذا لم يكن مناسبًا: لم يقل به.

ولقد استدل على ذلك باللغة: فقرر أن المفهوم من دلالات الخطاب في اللغة العربية: أن الوصف إذا كان مناسبًا للحكم: كان علة له، والعلة يرتبط بها المعلول وجودًا وعدمًا، فيوجد الحكم بوجودها وينتفي بانتفائها.

أما إذا كان الوصف غير مناسب: فمعنى ذلك أنه لا ارتباط بينه وبين الحكم، فلا بدل التقييد بالوصف في هذه الحال على انتفائه، ويصبح الأمر كما في مفهوم اللقب (٤).


(١) هو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، أبو عبد الرحمن. من أئمة اللغة والأدب، شيخ سيبويه وواضع "علم العروض". وقد أبدع بدائع لم يسبق إليها، من مصنفاته: "العين في اللغة". توفي سنة ١٧٠ هـ.
(٢) هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء أبو بشر الملقب بسيبويه، إمام النحاة وأول مَن بسْط علم النحو، له في النحر "كتاب سيبويه" لم يصنع قبله ولا بعده مثله، توفي سنة ١٨٠ هـ.
(٣) راجع: "حاشية السعد التفتازاني على شرح العضد لمختصر المنتهى" (٢/ ١٧٩).
(٤) قال : (فإن قيل: خصصتم بالذكر الملة المناسبة للأحكام، وقد أطلق القائلون بالمفهوم أقوالهم بإثبات المفهوم بكل موصوف، قلنا: الحق الذي نراه أن كل صفة لا يفهم منها مناسبة للمحكم: فالموصوف كالملقب بلقبه، والقول في تخصيصه بالذكر كالقول في تخصيص المسميات بألقابها، فقول القائل: زيد يشبع إذا أكل، كقوله: الأبيض يشبع، إذ لا أثر للبياض فيما ذكر، كما لا أثر للتسمية بزيد فيه). انظر: "البرهان" (١/ لوحة ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>