للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما إذا كانت هي راغبة في الزنى: لم يتصور إكراه (١) ولم يكن ذكره ليكون شرطًا تنتفي حُرمةُ الإكراه على البغاء بانتفائه، بالأولى.

وهكذا يتبين من النصّين المذكورين أن القيدين - وهما الوصف في الأول، والشرط في الثاني - لم يكونا لتقييد الحكم؛ بل كان الوصف - في الأول - للتنفير وبيان الغالب وهو كون الربائب في حجور الأزواج، وكان الشرط - في الثاني - لبيان واقع الإكراه كيف يكون.

٣ - ويمكن لنفاة مفهوم المخالفة أن يؤيدوا وجهة نظرهم أيضًا بمبدأ تعليل الأحكام، فالأحكام أكثرها معلّل في نظر الجمهور (٢)، وإذا كانت كذلك، فإنها تتعدى إلى غير موضع النص لاتحاد المناط. وعلى ذلك لا يكون المسكوت الذي انتفى عنه القيد خاليًا من الحكم حتى نعطيه نقيض حكم المنطوق المقيّد بذلك القيد. وهذا لا يدع مجالًا للأخذ بمفهوم المخالفة، لأن احتمال وجود العلة في غير المنصوص: قائم، فيكون من غير المعقول: أن يثبت فيه نقيض الحكم بمفهوم المخالفة (٣).

[مفهوم المخالفة بين كلام الشارع ومصطلح الناس]

والآن: هل القول بمفهوم المخالفة أو عدم القول به، يشمل مع نصوص الكتاب والسنّة كلام الناس؟

أما القائلون بمفهوم المخالفة في كلام الشارع: فهم قائلون به أيضًا في كلام الناس في مصنفاتهم وعقودهم. . . إلخ. إلا ما روي عن بعض الشافعية من المتأخرين، أنه قصر القول بمفهوم المخالفة على الكتاب والسنة فقط (٤).


(١) ولذلك اعتبر ابن العربي أن من الغفلة عن الحقائق: التعلق بالمفهوم في الآية. انظر "احكام القرآن" (٣/ ١٣٧٤).
(٢) راجع: "إعلام الموقعين" (١/ ١٩٧) فما بعد، "محاضرات في تاريخ الفقه الإسلامي في حقوق القاهرة" (ص ٣٤، ٤٥) لأستاذنا الشيخ فرج السنهوري، تاريخ التشريع الإسلامي (ص ١٥٤ - ١٥٥)، "المدخل للفقه الإسلامي" (ص ١٤٥) للأستاذ محمد سلام مدكور.
(٣) راجع: "أصول الفقه" لأستاذنا أبي زهرة (ص ١٤٣).
(٤) انظر: "البحر المحيط" للزركشي ج ٢، "إرشاد الفحول" (ص ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>