للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحنفية عمومًا - في نفيهم لمفهوم المخالفة -: متفقون على هذا النفي في نصوص الكتاب والسنّة. وفيما عدا ذلك خلاف.

أ - فالذي صرّح به أبو بكر الجصاص ورواه عن شيخه أبي الحسن الكرخي: عدمُ التفريق بين كلام الله ورسوله، وبين كلام الناس؛ فمفهوم المخالفة منفي فيهما، صرّح بذلك في كتابه "الأصول" إذ إنه بعد أن قرّر المذهب وعزاه إلى شيخه أبي الحسن، استشهد بكلام لأبي الحسن عن أبي يوسف، يقتضي عدم القول بالمفهوم المخالف في عدد من الآيات.

ثم قال: (وروى محمد بن الحسن في "السير الكبير" قال: إذا حاصر المسلمون حصنًا من حصون المشركين، فقال رجل من أهل الحصن: أمّنوني على أن أنزل إليكم، على أن أدلكم على مائة رأس من السبي في قرية كذا، فأمّنه المسلمون، فنزل، ثم لم يخبر بشيء: فإنه يرد إلى مأمنه لأنه لم يقل: إن لم أدلَّكم فلا أمان لي).

قال أبو بكر: (فلم يجعل محمد وقوع الأمان على هذا الشرط: دليلًا على أنه متى لم يفِ بالشرط، فلا أمان له، وهذا يدل من مذهبه دلالة واضحة على أن التخصيص بالذكر، أو التعليق بالشرط، لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه) (١).

وهكذا نرى الجصاص استشهد بواقعة عن محمد بن الحسن في كلام الناس، لم يأخذ فيها بمفهوم المخالفة.

ب - أما المتأخرون من الحنفية: فحصروا نفي القول بمفهوم المخالفة بأقسامه، في كلام الشارع فقط، وقالوا به في المصنفات الفقهية، وفي كلام الناس في عقودهم وشروطهم، وسائر عباراتهم، نزولًا على حكم العُرف والعادة؛ إذ جرت العادة أن الناس لا يقيدون كلامهم بقيد من هذه القيود، إلا لفائدة. وذلك ما صرّح به الكمال بن الهمام في "التحرير" حيث قال: (والحنفية ينفونه بأقسامه في كلام الشارع فقط) (٢).


(١) راجع: "أصول الجصاص" (١/ ٤٩ ب) مخطوطة دار الكتب المصرية.
(٢) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>