للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحين عرض لها عبد العزيز البخاري أشار إلى أنه فهم ذلك أيضًا من كلام أبي زيد الدبوسي، وعلل انتقال الربا من المجمَل إلى المشكل؛ بأن الربا مع إجماله هو اسم جنس محلَّى بأل، فيستغرق جميع أنواعه، والنبي ، بيّن الحكم في الأشياء السنة من غير قصرٍ عليها، فيبقى الحكم فيما سواها، إلا أنه لما احتمل أن يوقف على ما وراءها بالتأمُّل في هذا البيان، نسمِّيه مشكلًا لا مجملًا (١).

وهكذا يلاحظ أن الربا - على هذا الاتجاه - مجمل في الكتاب قبل بيان السنّة، مشكل بعد البيان؛ لأن البيان لم يكن في حيز الاستيفاء بالنسبة إلينا.

[ما نراه في الموضوع]

والذي نراه عدم اعتبار لفظ (الربا) الوارد في القرآن من الألفاظ المجملة.

ذلك أنا لو احتكمنا إلى تعريف علماء الأصول من الحنفية لهذا القسم من أقسام المبهم من الألفاظ - حيث يجعلون من أركانه أنه بلغ من الخفاء حدًا أصبح معه بحيث لا يتضح المعنى المراد منه إلا ببيان من قِبل المجمِل نفسه - لبان لنا عدم انطباقه على لفظ (الربا) الذي ورد في كتاب الله، والذي نراه في الآية الكريمة ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧٥) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)[البقرة] وغيرها من الآيات.


(١) "كشف الأسرار" على "أصول البزدوي" (١/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>