للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيان ذلك أن الربا الذي اشتملت عليه الآيات، لم يكن خافيًا بالنسبة لمن نزل الكتاب بلغتهم وفي بيئتهم، بل كان من معهود الجاهلية، يتعاملون به ويأكلونه؛ فكان الرجل أيام الجاهلية يكون له على آخر دَيْن، فإذا حلَّ الأجل قال المدين للدائن: زدني في الأجل وأزيدك في مالك، فتكون زيادة المال من المدين الغريم، في مقابل زيادة الأجل وإعطاء المهلة من الدائن رب المال، وهذا ما يسمى "ربا النسيئة".

وقد روى أبو جعفر الطبري في ذلك عن مجاهد أنه قال في الربا الذي نهى الله عنه: (كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدَيْن فيقول: لك كذا وكذا، وتؤخر عني، فيؤخر عنه). وروي عن قتادة (أن ربا أهل الجاهلية: يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمًى، فإذا حلّ الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاده وأخّر عنه) (١).

وقد أبان الله في كتابه أن القوم كانوا يتعاملون به وسمّى ذلك أكلًا فقال: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [البقرة: ٢٧٥] وكانوا يدَّعون أن الربا حلال كالبيع نفسه - فسواء عليهم أزادوا في أول البيع أم عند حلول أجل الدَيْن - فكذّبهم الله في قيلهم موضحًا أن الزيادتين اللتين إحداهما من وجه البيع، والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل، ليستا سواء؛ فالحلال منهما هي الزيادة من وجه البيع، أما التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل: فهي محرمة.

وليست الزيادة من وجه المبيع نظير الزيادة من وجه الربا، جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥].

ومما يؤكد أن الربا المراد تحريمه في القرآن كان معهود العرب، ومما عرّفته بيئتهم من أنواع التعامل؛ أنه - بعد أن عرض القرآن للحرمة، وتوعّد من أكَل الربا بالعقاب - وعد من انتهى عن أكله بأن له ما أكل، وأخذ فأمضى، وذلك قوله سبحانه: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ


(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٧ - ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>