للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - وذهب آخرون إلى أن هذه الدلالة دلالة قياسية؛ بمعنى أنها حاصلة بالقياس الأولى، أو المساوي، وهما نوعان للقياس الجلي، والقياس الجلي: هو ما كانت العملة المشتركة فيه بين الأصل والفرع، وجودُها في الفرع منه: أقوى من وجودها في الأصل، أو وجودُها في الفرع: مساوٍ لوجودها في الأصل.

ودليلهم على ذلك: ما هو معلوم في مفهوم الموافقة من توقف ثبوت الحكم للمسكوت: على معرفة المعنى الذي هو مناط الحكم، ولا بد في معرفته من نوع نظر، وهذا هو القياس؛ ففي آية التأفيف، لما توقف ثبوت الحكم على معرفة المعنى، وقد وجد أصل كالتأفيف، وفرع كالضرب، وعلة جامعة مؤثرة كدفع الأذى: كان قياسًا، إذ لا معنى للقياس إلا ذلك (١).

فلو قطع النظر عن المعنى الذي سبق له الكلام - وهو كف الأذى عن الوالدين، وعن كون هذا المعنى الذي هو مناط التحريم هو في الشتم والضرب أشد منه في التأفيف -: لما قضي بتحريم الشتم والضرب إجماعًا.

وقد سمُّوه قياسًا جليًا لظهوره؛ إذ إن الوصف الجامع بين الأصل والفرع: ثابت بالتأثير (٢).

[موقف الإمام الشافعي]

ولقد نصّ الإمام الشافعي في "الرسالة" على اعتبار مفهوم الموافقة من القياس الجلي، وذلك قوله في باب الاستحسان: (والقياس وجوه يجمعها


= الموافقة - مستفاد من النطق وليس بقياس. قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الصحيح من المذاهب أنه جار مجرى النطق، واعتبر دلالته لفظية). راجع: "إرشاد الفحول" (ص ١٧٨). وانظر: "تهذيب الوصول" للحلي (ص ١٠٠ - ١٠١)، "نهاية الوصول" (ق ١١٣) مخطوطة دار الكتب المصرية.
(١) انظر لأركان القياس وشروط هذه الأركان: "مصادر التشريع الإسلامي ومناهج الاستنباط" للمؤلف (ص ١٧٤) فما بعد.
(٢) راجع: "الإحكام" للآمدي (٣/ ٩٧)، "ابن الحاجب مع شرح العضد وحواشيه" (٢/ ١٧٣)، "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٧٣ - ٧٤) "المنهاج" للبيضاوي مع "شرح الإسنوي وحاشية بخيت" (٢/ ٢٠٤)، "جمع الجوامع" (٢/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>