للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس، ويتفرق بها ابتداء قياس كل واحد منها أو مصدره أو هما، لعلها وبعضها أوضح من بعض.

فأقوى القياس: أن يحرّم الله في كتابه أو يحرّم رسول الله القليل من الشيء، فيعلم أن قليله إذا حُرِّم، كان كثيره مثل قليله في التحريم أو أكثر، بفضل الكثرة على القلة.

وكذلك إذا حُمد على يسير من الطاعة، كان ما هو أكثر منها أولى أن يحمد عليه. وكذلك إذا أباح كثير شيء، كان الأقل منه أولى أن يكون مباحًا) (١).

وقد أورد أمثلة أوضح بها ما أراد فقال: (قال رسول الله : "إن الله حرّم من المؤمن دمه وماله وأن يظن به إلا خيرًا" (٢) فإذا حرّم أن يظن به ظنًا مخالفًا للخير يظهره: كان ما هو أكثر من الظن المظهَر ظنًا من التصريح له بقول غير الحق أوْلى أن يحرّم، ثم كيف ما زيد في ذلك كان أحرم.

قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)[الزلزلة].

فكان ما هو أكثر من مثقال ذرة من الخير: أحمد، وما هو أكثر من مثقال ذرة من الشر: أعظم في المأثم.

وأباح لنا دماء أهل الكفر المقاتلين غير المعاهدين وأموالهم، لم يحظر علينا منها شيئًا أذكره، فكان ما نلنا من أبدانهم دون الدماء، ومن أموالهم دون كلها، أوْلى أن يكون مباحًا) (٣).

ثم بيّن الشافعي أن من أهل العلم من لا يرضى بتسمية ذلك قياسًا،


(١) راجع: "الرسالة" (ص ٥١٣).
(٢) معنى هذا الحديث وارد في أحاديث كثيرة. انظر: تعليق العلَّامة الشيخ أحمد محمد شاكر في (ص ٥١٤) من "الرسالة" للإمام الشافعي.
(٣) راجع: "الرسالة" (ص ٥١٣ - ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>