للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين المشكل والخفي]

والمشكل أشد إبهامًا من سابقه القسم الأول - وهو الخفي -، لذا كانت رتبته في أقسام المبهم تقابل (النص) الذي هو أعلى مرتبة من (الظاهر) في أقسام الواضح من الألفاظ.

وإنما كان المشكل كذلك؛ لأن منشأ الغموض كائن فيه من اللفظ نفسه، بينما جاء الغموض والخفاء للخفي من عارض خارجي، والخفاء من ذات اللفظ، فوق الخفاء بعارض (١).

وبناء على هذا التفاوت، كان للاجتهاد في بيان المراد من المشكل شأن آخر، فهو أوسع دائرة من الاجتهاد المطلوب في بيان المراد من الخفي، ذلك أن المجتهد في الخفي يبحث في العارض الذي نشأ عنه الخفاء: هل هو زيادة في المعنى الذي دلّ عليه الظاهر، أم نقص فيه؟ فإلى أيهما أدّاه اجتهاده: رتّب الحكم عليه.

أما في المشكل: فلا بد من التأمُّل في صيغة اللفظ، وفي أشكاله التي دخل فيها حتى كان ذلك سبب الغموض، وعندها قد يجد المجتهد دليلًا يعيّن المعنى المراد، وقد تكون المبالغة في التأمُّل طريقًا لهذا التعيين.

والحاجة إلى التأمُّل في الصيغة وفي الأشكال، هي التي دعت الجمهور إلى القول: بأن المشكل لا يكفي فيه مجرد الطلب، كما يكفي في الخفي، بل لا بد من التأمُّل بعد الطلب (٢)؛ فهو نظير رجل اغترب عن وطنه، فاختلط بأمثاله، فإنه يُطلب أولًا أين هو؟ ثم يتأمل فيه ليتميز عن أمثاله.

هذا: وإن الفرق في الخفاء بين المشكل والخفي، جعل المشكل يكاد


(١) راجع: "تقويم الأدلة" (ص ٢٦١)، "التلويح على التوضيح" (١/ ١٢٦).
(٢) قال البزدوي في معرض بيان أن المشكل أكثر غموضًا من الخفي (وهذا - يعني المشكل - فوق الأول - يعني الخفي - إذ لا ينال بالطلب، بل بالتأمُّل بعد الطلب ليتميز عن أشكاله) انظر: "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (١/ ٥٢ - ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>