للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلتحق بالمجمل - الذي هو أشد الثلاثة خفاء - وكثير من العلماء لا يهتدون إلى الفرق بينهما.

وقد أشار إلى ذلك أبو زيد في "التقويم" بعد أن عرّف المشكل وكشف عن مرتبته في الخفاء (١).

وفيما يلي بعض النماذج العملية التي تكشف عن طريقة العلماء في معالجة المشكل وما سلكوه في كيفية استنباط الحكم منه.

١ - لقد اعتبر العلماء من (المشكل) قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦].

فإن هذا النص ظاهر الدلالة في غسل ظاهر البدن، أما غسل الباطن فمتعذر: لذا سقط هذا الغسل بالإجماع.

وقد وقع الإشكال في غسل الفم؛ فإن الفم باطن من وجه، حتى إن الصوم لا يفسد بابتلاع الريق، وظاهر من وجه، حتى إنه لا يفسد الصوم بدخول شيء فيه.

وبالتأمُّل والاجتهاد رؤي اعتبار الوجهين.

فألحق بالظاهر في الغسل من الجنابة؛ لأن التطهر من الجنابة جاء الأمر به في الآية بلفظ (فاطَّهروا) بالتشديد، الأمر الذي يدل على المبالغة والتكلف في التطهير، فيدخل لذلك غسل باطن الفم، إلحاقًا له بالظاهر.

كما ألحق بالباطن في الوضوء؛ لأن الوضوء أكثر وقوعًا من الغسل، فكان مقتضى البعد عن الحرج: التخفيف وترك المبالغة، فلا تلزم المضمضة، وفي ذلك ما فيه من اليسر الذي هو سمة من سمات التكليف في شريعة الإسلام.

وقد يرد على هذا التمثيل: أن المشكل ما كان في نفسه اشتباه، وهذا غير منطبق على ما ذُكِرَ؛ فإن التظهر معلوم لغة وشرعًا ولكنه اشتبه بالنسبة


(١) راجع: "تقويم الأدلة" للدبوسي (ص ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>