للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى داخل الفم والأنف، كاشتباه لفظ السارق بالنسبة إلى الطرّار، والنباش، فيكون من قبيل (الخفي).

ويجاب عن ذلك: بأن من غير المسلّم به كونُ التطهر معلومًا شرعًا قبل الطلب والتأمُّل؛ وذلك أن معنى التطهر، غسل جميع ظاهر البدن، إلا أن فيه غموضًا لا يمكن زواله قبل الطلب والتأمُّل.

وقد حدث ذلك الغموض من دخول باطن الفم والأنف في أشكاله، فكان لا بد من معرفة أن جميع ظاهر البدن هو البشرة، والشعر، مع داخل الفم والأنف أو بدونه، وذلك من نظائر المشكل، لا الخفي الذي ينال بمجرد الطلب (١).

٢ - ومن أمثلة المشكل (أنّى) في قوله تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣] (٢).

وبيان ذلك أن كلمة (أنّى) في كلام العرب تدل - إذا ابتدئ بها في الكلام - على المسألة عن الوجوه والمذاهب، فتقارب (أين) و (كيف) في المعنى.

ومن هنا نشأ الإبهام، حيث تداخلت معانيها ودخلت في أشكالها، الأمر الذي أوقع العلماء في التردد بين المعاني التي يمكن أن تؤول بها في هذه الآية، حتى تأوّلها بعضهم بمعنى (أين) وبعضهم بمعنى (كيف) وآخرون بمعنى (متى) إلى غير ذلك، مما قد يلتقي مع هذه المعاني أو يبتعد عنها.

وبحسب تداخل المعاني في تعددها، وما ورد من الآثار، تعددت الأقوال واختلفت الاتجاهات.

أ - فقال فريق: معنى (أنّى) في الآية: كيف. وفي ذلك عدد من الآثار: منها ما ورد عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى


(١) راجع: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٥٣)، "التوضيح مع التلويح" (١/ ١٢٧)، "المرأة" (١/ ٤٠٩).
(٢) راجع: "كشف الأسرار" السابق (١/ ٥٣) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>