للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما فيه مقنع لمن أراد، وأكد المعنى الذي أشرنا إليه من قبل وهو: أن الظاهر إنما هو عددٌ معدودُه ذوات المساكين، مع عقلية أن العدد مما يقصد؛ لما في تعميم الجميع من بركة الجماعة، وشمول المنفعة. واجتماع القلوب على المحبة والدعاء (١).

[ما نرجحه في المسألة]

والراجح فيما نرى: هو ما ذهب إليه الجمهور، ووافقهم فيه الكمال بن الهمام من الحنفية في اعتبار العدد في الآية. نقرر هذا مخالفين الغزالي فيما ذهب إليه مؤيدًا للحنفية في اعتبار احتمالٍ ضعيفٍ؛ هو مراعاة سد حاجة الفقير، مع أنه ليس من دليل قوي يرتفع بهذا الاحتمال، ليرجح على الظاهر الذي ذهب إليه الجمهور.

أ - فالذي يطعم مسكينًا واحدًا ستين يومًا، لم يخرج من عهدة العمل بما وجب عليه في كتاب الله، وسنّة رسوله صلوات الله عليه؛ لأنه لم يطعم ستين مسكينًا، فلم يجزئه كما لو دفعها في يوم واحد.

ب - كما أن في النزوع إلى هذا الرأي اعتبارَ أن عدد الأيام يقوم مقام أعداد المساكين، والله قد أمر بعدد المساكين لا بعدد الأيام. وعلى هذا: فالامتثال في هذه الكفارة، إنما يكون بإطعام العدد الذي جاء الأمر به (٢).

هذا: وما أثير هنا من خلاف حول هذه المسألة، يرد مثله في الكفارات الأخرى، حين يكون موجَب الأمر إطعامَ عدد معين من المساكين، كما في كفارة الجماع في رمضان، إذ أمر النبي سلمة بن صخر البياضي (٣) أن


(١) راجع: "فتح القدير" و "العناية" مع "الهداية" (٣/ ٢٤٣).
(٢) انظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ٣٦٩)، "تفسير القرطبي" (٦/ ٢٧٨)، "الإحكام في أصول الأحكام" للآمدي (٣/ ٨٠)، "الإحكام" لابن دقيق العيد (٢/ ١٣).
(٣) اختلف العلماء حول اسم هذا الصحابي فقيل: سَلَمة، وقيل: سلمان، والذي جزم به ابن عبد البر في "الاستيعاب" وابن حجر في "الإصابة" أنه سلمة، قال البغوي: لا أعلم له حديثًا مسندًا إلا حديث الظهار.
"الإصابة" مع "الاستيعاب" (٢/ ٦٤) وانظر: "فتح الباري" (٤/ ١١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>