للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موقف للميهوي (١):

وَبَعْد: فلقد جاء الميهوي من متأخري الحنفية، على القاعدة في تقديم المفسّر على النص، وعملًا بذلك، اعتمد القول بالوضوء لكل وقت صلاة، ثم اعتبر أن مخالفة الشافعي في المسألة مردها عدم الانتباه إلى تقديم المفسّر على النص، فقال: (والشافعي لم يتنبَّه لهذا فعمل بالحديث الأول) (٢).

هذا ما قاله الميهوي الذي أراد من الإمام الشافعي أن يعلم برواية يمكن أن توجد فيما بعد، ولم يقدم المفسّر على النص، فيوجب على المستحاضة أن تتوضأ لكل وقت صلاة، ولكن التوفيق أخطأ محمد بن إدريس!! فلم ينتبه لهذا، وعمل بالحديث الأول.

وإني لأحسب أن ما ذكرناه عن حال رواية (الوقت)، وما حكاه الزيلعي الحنفي في "نصب الراية" من أن الحديث بهذه الرواية غريب جدًّا (٣). ثم ما قرره أبو جعفر الطحاوي من أن قوة المذهب جاءت من ناحية النظر (٤).

كل أولئك - إلى جانب قوة الرواية الأولى - كافٍ في بيان ضعف ما ذهب إليه الميهوي - غفر الله له -.

وفي منطق الحِفاظ على الأسس السليمة للاستنباط: لا نستطيع أن نغفل الأهمية البالغة لقيمة النص الذي يراد استنباط الحكم منه، حتى أمر النظر الذي أخذه أبو جعفر بعين الاعتبار: إنما يحسب حسابه حين لا يكون بين يدينا نص صحيح في الموضوع. أما إذا توافر النص الصحيح: فهو المقدّم على نص لا يدانيه صحة، وهو المقدّم على النظر أيضًا.


(١) هو أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله، المعروف بملا جيون، من مصنفاته: "نور الأنوار شرح المنارة" للنسفي، توفي سنة ١١٣٠ هـ.
(٢) راجع: "نور الأنوار" للميهوي (١/ ١٤٥ - ١٤٦).
(٣) انظر ما سبق (ص ١٥٧) الحاشية ذات الرقم (٢).
(٤) انظر ما سبق (ص ١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>