للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنهم قد استدلوا إلى جانب ذلك بأدلة من أهمها في نظرنا ما يلي:

١ - قال الله تعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١].

ولقد فهم يعلى بن أمية من تعليق القصر على الخوف، بناء على الشرط في قوله تعالى: ﴿إِنْ خِفْتُمْ﴾: أن القصر غير مشروع عند عدم الخوف، حيث سأل عمر بن الخطاب فقال: ما بالنا نقصر وقد أمِنا؟ وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١)﴾ وتلا الآية. وأقرّه عمر فقال: تعجبت مما تعجبتَ منه، فسألت رسول الله عن ذلك فقال: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (١).

ففهم عمر ويعلى بن أمية عدم جواز القصر لانتفاء الخوف؛ وإقرار النبي لهما على ما فهماه: دليل على أن تعليق الحكم على شرط، يدل على انتفاء الحكم عند انتفاء ذلك الشرط.

ولولا أن الأمر كذلك: لما تبادر إليهما هذا الفهم، ولما تعجبا من جواز القصر حالةَ الأمن، ولما أقرّ رسول الله عمر على تعجُّبه وجعل القصر جاريًا مجرى الرخصة، فهو صدقة تصدّق الله بها على المسلمين، وكان من الممكن أن يبين لهما - وهو المبين عن ربه ما أراد - أن الآية ليست كما فهما، وأن الوجهة السليمة فيها غيرُ الذي دعاهما إلى التعجب (٢).

[موقف النافين من هذا الدليل]

غير أن النافين لمفهوم الشرط، أوردوا على هذا الدليل: أن فهم عمر ويَعلى لعدم جواز القصر في حالة الأمن، يحتمل أن يكون مبعثه أن الأصل في الصلاة عدم القصر، وحيث ورد القصر حالة الخوف بقوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ﴾ فيبقى ما عدا هذه الحالة


(١) راجع ما سلف (ص ٥٣٨).
(٢) انظر: "معالم السنن" (١/ ٢٦١)، "نيل الأوطار" (٣/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>