للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يتحقق مدلوله - وهو طلب الامتناع عن الفعل - إلا بالاستمرار الذي هو التكرار ليستغرق الأوقات كلها، وهذا بطبيعة الحال يستلزم الفورية.

ثم إن عدم التكرار في المثال الذي أتوا به من كلام الطبيب، إنما كان لقرينة المرض، فكأن الطبيب يقول للمريض: لا تفعل كذا مدة المرض، والكلام في الأمر المجرد عن القرائن.

ويبدو أن الآمدي لم يعبأ بمخالفة القلة التي خالفت هذه المسألة فقال: (اتفق العقلاء على أن النهي عن الفعل يقتضي الانتهاء عنه دائمًا خلافًا لبعض الشاذين) (١). وتابعه في ذلك العضد الإيجي فقال: (وقد خالف في ذلك شذوذ) (٢) وقال ابن الهمام: (وموجَبها - يعني صيغة النهي - الفور والتكرار، أي الاستمرار، خلافًا لشذوذ) (٣).

[رأينا في المسألة]

والذي يظهر لنا أن ما ذهبت إليه الأكثرية المطلقة من العلماء، هو الحق، لأن طبيعة الفعل غير طبيعة الامتناع. صحيح أن الأمر والنهي يشتركان في أن كلًا منهما للطلب، ولكن الأمر لطلب الفعل، بينما النهي لطلب الترك والامتناع، وما أحسب أحدًا يقرُّ أن الامتناع يمكن أن يتحقق بمرة، ثم تكون الإباحة، ونحتاج إلى قرينة جديدة تدل على طلب الترك من جديد.

ولذلك لا يخرج المكلف عن عهدة الامتثال في النهي، إلا بالكف والامتناع عما نُهي عنه حالًا وفي جميع الأوقات، ومن نهي عن شيء ثم فعله ولو مرة واحدة في أي وقت من الأوقات لم يعتبَر منتهيًا عما نهي عن فعله، ولا ممتثلًا فيما طُلب منه أن يكف عنه.

وهذا ما كان عليه السلف؛ فقد نقل عنهم العلماء الاستدلال بالنهي على الترك مع اختلاف الأوقات دون تخصيص بوقت دون آخر.


(١) راجع: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٢٨٤)، "التقرير والتحبير" (١/ ٣٢٩).
(٢) راجع: "شرح العضد المختصر المنتهي" مع "حاشية السعد" (٢/ ٩٨ - ٩٩).
(٣) انظر: "التحرير" لابن الهمام مع "شرحه التقرير والتحبير" (١/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>