للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد نعى ابن حزم على الواقفية تذرعهم بهذه الشبهة حيث حاولوا تقوية مذهبهم بأنه موافق لأمر ذمَّه الله ﷿. ولو لم يكن في تردد بني إسرائيل إلا قولُهم لموسى : ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ جوابًا لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ لكفى. ومن خاطبه نبي عن الله ﷿ بأمرٍ ما؛ فجعله المخاطب هزوًا فقد كفر.

وذكر من شعبهم … أنهم قالوا: نحن في الخطاب الوارد: كالحاكم شهد عنده شاهدان؛ فلا بد من السؤال عنهما، والتوقفِ حتى تصح عدالتهما.

وهذا - كما يقول ابن حزم - تشبيه فاسد؛ لأن الشاهدين لو صحت عندنا عدالتهما قبل الشهادة: فهما على تلك العدالة، ولا يصبح التوقف في شهادتهما.

وكذلك ما أيقنا أنه خطاب الله تعالى، أو خطاب رسول الله لنا. وإنما تتوقف في الشاهدين إذا لم نعلمهما، كما نتوقف في الخبر إذا لم يصح عندنا أنه عن النبي ؛ فلا نحكم بشيء من ذلك (١).

[الحجة الثالثة]

ومما احتج به أرباب الوقف أيضًا قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وهو ﷿ غير مخلوق. كما احتجوا بالآية التي ورد ذكرها أكثر من مرة فيما سبق وهي قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٧٣] قالوا: وإنما قال لهم ذلك بعض الناس، وهو نُعيم بن مسعود، أو آخر، وإنما كان الجامعون لهم بعض الناس لا كلهم.

ويرى ابن حزم - كما نرى معه - أنه لا دليل لهم في أي من الآيتين:

أما الآية الأولى: فالمفهوم من النص أن المراد بخلقه تعالى كل شيء: كل ما دونه ﷿ على العموم، لأنه لما كان تعالى هو الذي خلق كل شيء


(١) راجع: "الإحكام" لابن حزم (٣/ ١٠٢) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>