للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ردّ على بعض المتكلمين الذين اعترضوا على ذكر كلمة (لفظ) في التعريف عند محاولة تحقيق النص، حيث قالوا: (إن الفحوى تقع نصًا، وإن لم يكن معناها مصرحًا به لفظًا).

واعتبر إمام الحرمين هذا الاعتراض ساقطًا: لأن الفحوى لا استقلال لها، فهي من المفهوم (١). وقد استشهد الجويني بآية النهي عن التأفف معتبرًا أن النهي عن الضرب العنيف من النص؛ لأنه أولى بالنهي من التأفف. فإذا كان الله تعالى قد نهى عن قول: ﴿أُفٍّ﴾ دفعًا للأذى عن الوالدين؛ فإن هذه العلة أكثر توافرًا في الضرب العنيف. انظر إليه يقول في "البرهان":

(ففي سياق الأمر بالبر والنهي عن العقوق، والاستحثاث على رعاية حقوق الوادين: قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] فكان سياق الكلام على هذا الوجه مفيدًا تحريم الضرب العنيف نصًا، وهو متلقى من نظم مخصوص، فالفحوى إذن آيلة إلى معنى الألفاظ) (٢).

[مسلك الغزالي]

أما حجة الإسلام الغزالي: فقد جاءنا - إلى جانب المسلكين السابقين في تعريف النص - بمسلك ثالث، فوجدناه يعرف النص بأنه: (ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل). وقد ذكر ذلك مفصّلًا. في "المستصفى"، حين بيّن أن النص اسم مشترك يطلق في تعارف العلماء على ثلاثة أوجه:

الأول: ما أطلقه الشافعي ؛ فإنّه سمى الظاهر نصًا، وهو منطبق على اللغة (٣).

الثاني: - وهو الأشهر -: ما لا يتطرق إليه احتمال أصلًا، لا على قرب


(١) مفهوم الموافقة هو: دلالة اللفظ على حكم في المسكوت أوْلى أو مساوٍ لحكم المنطوق وذلك لاشتراكهما في علة تُدرَك بمجرد معرفة اللغة. وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث الدلالات.
(٢) "البرهان" مخطوطة دار الكتب المصرية. نسخة مصورة (١/ لوحة ١١٠).
(٣) قال الغزالي هناك: (معنى هذا: حدُّه حدُّ الظاهر وهو اللفظ الذي يغلب على الظن فهم معنى منه من غير قطع، فهو بالإضافة إلى ذلك المعنى الغالب ظاهر ونص) "المستصفى" (١/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>