للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رأينا في الموضوع]

والذي نراه: هو ما ذهب إليه الجمهور في اختلافهم مع الحنفية من حمل المطلق على المقيد.

فمما لا ريب فيه: أن المقيد ناطق والمطلق ساكت، فالمقيد أولى أن يكون بيانًا للمطلق، ما دام الحكم متحدًا وإن اختلف السبب: وجميل ما ذكره الزنجاني في تعليل الحمل حين قال: (لأن الحكيم إنما يزيد في الكلام لزيادة في البيان، فلم يحسن إلغاء تلك الزيادة، بل يجعل كأنه قالهما معًا، ولأن موجب المقيد متيقن وموجَب المطلق محتمل) (١).

ولقد رأينا من قبل كيف أن الحنفية لم يمكنهم - في نظر الآخرين - التزام قاعدتهم في عدم حمل المطلق على المقيد في حالة اتحاد الموضوع والحكم، واختلاف السبب في الإطلاق والتقييد، فلم يوجبوا الزكاة إلا في السائمة من النعم، مع وجود الإطلاق عن السوم إلى جانب التقييد به في النصوص.

ثم إن وحدة كلام الله تعالى مهما قيل في شأنها: فهي بمعنى تآخي الأحكام وتجانسها: واقعة ومحققة. ففي القتل والظهار: الكفارةُ في كل منهما كفارة عن ذنب، وقد أوجب الله في إحداهما أن تكون عتق رقبة مؤمنة. والمعنى الذي من أجله كان ذلك - وهو تحرير رقاب المؤمنين نظرًا لأخوتهم بسبب الإيمان - متحقق في الظهار، فوجبه في كفارته: أن يكون الحكم كذلك.

وعلى أية حال: فإن اتحاد الحكم بين المطلق والمقيد يقتضي - كما قال الشوكاني - حصول التناسب بينهما بجهة الحمل قال : (ولا نحتاج في مثل ذلك إلى هذا الاستدلال البعيد، فالحق ما ذهب إليه القائلون بالمحمل) (٢).


(١) راجع: "تخريج الفروع على الأصول" بتحقيق المؤلف (ص ١٣٤).
(٢) راجع: "إرشاد الفحول" (ص ١٥٥)، "أسباب اختلاف الفقهاء" للخفيف (ص ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>