ومن هنا فإن القائلين بحمل المطلق على المقيد بما أحاطوه من ضوابط: لم يخرجوا على قواعدهم في ذلك، حتى رأينا إمامًا كالقرافي المالكي يؤكد هذا المعنى ويدافع عنه. قال ﵀: (وكان قاضي القضاة صدر الدين الحنفي يقول: إن الشافعية تركوا أصلهم لا لموجب فيما ورد عن رسول الله ﷺ: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب" وورد "أولاهن بالتراب" فقوله: "إحداهن" مطلق، وقوله ﵇:"أولاهن" مقيد بكونه أولًا، ولم يحملوا المطلق على المقيد فيعينوا الأولى يل أبقوا الإطلاق على إطلاقه … ثم قرر القرافي أن هذا لا يلزمهم - يعني الشافعية - لأجل قاعدة أصولية مذكورة في هذا الباب، وهي أنا إذا قلنا بحمل المطلق على المقيد، فورد المطلق مقيدًا بقيدين متضادين، فتعذر الجمع بينهما: تساقطا، فإن اقتضى القياس الحمل على أحدهما ترجَّح، وفي هذا الحديث ورد المطلق فيه مقيدًا بقيدين متضادين، فورد "أولاهن" وورد "أخراهن" فتساقطا وبقي "إحداهن" على إطلاقه فلم يخالف الشافعية أصولهم) (١).
* * *
(١) انظر: "الفروق" للقرافي. المسألة الأولى من الفرق الحادي والثلاثين (١/ ١٩٢ - ١٩٣) قلت: ذكر القاعدة التي ذكرها القرافي الرازي في "المحصول" والإسنوي في "نهاية السول" وقد أشرنا إلى ذلك من تقريب (٢/ ٢٢٧).