للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تاج الدين السبكي: (وهذا أبلغ من عكسه؛ لأن الناطق بالخبر مريدًا به الأمر، كأنه نزَّل المأمور به منزلة الواقع) (١).

وكذلك في الآية الثانية، ليس المقصود الإخبار وإنما المقصود أمر المطلقات بأن تكون عدتهن ثلاثة قروء. وهذا أيضًا أبلغ من عكسه، كما قال تاج الدين السبكي هناك.

[وجوه استعمال الأمر]

لم يكن موقف العلماء متفقًا في معنى الأمر الذي هو دلالته - كما سيأتي - ولكن قرروا من حيث الاستعمال: أن صيغة الأمر تستعمل في عدد كبير من الوجوه.

فقد يجيء الأمر للإيجاب كما في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وللندب كما في قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] إذ يرى الكثيرون أن المكاتبة مندوبة أخذًا من الآية (٢). كما يجيء للتأديب كقوله لعمر بن أبي سلمة (٣): "سم االله وكل بيمينك وكل مما يليك" (٤).


(١) راجع: "الإبهاج" لتاج الدين السبكي، "شرح منهاج البيضاوي" (٢/ ١٢ - ١٣)، "الدر المنثور" للسيوطي (١/ ٢٨٧).
(٢) ذهب مسروق وعطاء والضحاك وعمرو بن دينار وعكرمة إلى أن الأمر في قوله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ للوجوب واختاره ابن جرير الطبري والظاهرية.
انظر: "المحلى" لابن حزم (٩/ ٢٢٣) فما بعدها، "أحكام القرآن" لابن العربي (٣/ ١٣٧٠)، "الكشاف" (٣/ ٢٨٨)، "التفسير الكبير" للرازي (٢٣/ ٢١٧)، "الزرقاني على الموطأ" (٤/ ١٠٣) "جامع البيان": ١٧/ ٢٨٩.
(٣) هو الصحابي أبو حفص عمر بن أبي سلمة وأم سلمة - عبد الله بن عبد الأسد المخزومي القرشي ابن الصحابيين، ربيب رسول الله ، ولد بأرض الحبشة مع أبويه وهما مهاجران، روي له عن رسول الله اثنا عشر حديثًا روى البخاري ومسلم منها حديثين. توفي عام ٨٣ هـ.
(٤) أخرجه البخاري - الأطعمة - (٥٣٧٦)، ومسلم - الأشربة - (٢٠٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>