لما كان النهي مقابلًا للأمر، فكما اختلف العلماء في دلالة الأمر المجرد عن القرائن، على الوجوب أو غيره، اختلفوا في دلالة النهي المجرد عن القرائن، على التحريم أو غيره، والمذاهب هناك هي المذاهب هنا على التقابل.
فذهب الجمهور إلى أن النهي المطلق - وهو المجرد عن القرائن - يدل على تحريم المنهي عنه على وجه الحقيقة، ولا يدل على غير التحريم إلا بقرينة. فقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] دل على تحريم زواج المسلم بالمشركات.
وقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: ١٨٨] دل على تحريم الاعتداء على أموال الآخرين.
فإذا توافرت القرينة، صُرف النهي عن التحريم إلي ذلك الوجه الذي دلت عليه تلك القرينة، وذلك كما في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩] فإن النهي في قوله: ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ محمول عند بعض العلماء على الكراهة (١) وذلك لوجود القرينة التي صرفت النهي عن التحريم إلى الكراهة، وهي أن النهي عن البيع، ليس الحقيقته وذاته، وإنما هو للمخوف من الاشتغال به عن أداء الواجب من تلبية النداء والمبادرة إلى الجمعة، فسدًّا للذريعة، نهي المكلف ما قد يؤدي إلى إهمال ما هو واجب في حقه. ولذلك كان من لا يجب عليه حضور الجمعة، لا ينهي عن البيع والشراء.
ولو تتبعنا وجوه الاستعمال التي أتينا على ذكرها آنفًا: لرأينا أن النهي