للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل لهذا المذهب: بأن المشترك لم يوضع لمعانيه بوضع واحد، وإنما وضع كل معنًى من معانيه بوضع خاص، فإرادة جميع المعاني منه في نص واحد مخالفة لهذا الوضع العربي في اللغة. ومخالفةُ الوضع العربي في اللغة لا تجوز لما يلزم من الجمع بين المتنافين؛ إذ يكون كل واحد من المعنيين مثلًا مرادًا، وغير مراد بآن واحد (١).

[الجواب عن آية السجود]

وقد أجاب أصحاب هذا المذهب عن آية السجود التي استدل بها أولئك: بأن السجود في الآية الكريمة معناه الخشوع والانقياد، سواء أكان قهريًا أم اختياريًا. وهذا كما يتحقق في الناس يتحقق في غيرهم، فلا يختلف المعنى.

[موقف عبد العزيز البخاري والتفتازاني]

ولكن هذا الجواب لم يرضه عبد العزيز البخاري ولا التفتازاني، لأنه إن أريد بالانقياد امتثال أوامر التكاليف ونواهيها: فهو لا يصح في غير المكلفين. وإن أريد امتثال حكم التكوين والتسخير، أو مطلق الإطاعة أعم من هذا وذاك: فشموله لجميع الناس ظاهر، فلا بد أن يكون في كثير من الناس بمعنى آخر يخصهم كوضع الجبهة أو امتثال التكاليف. ولذلك قال صاحب "التلويح": (الأظهر في الجواب عن الآية ما ذكره القوم من أنها على حذف الفعل أي: ويسجد كثير من الناس، على أن المراد بالسجود


(١) قال عبد العزيز البخاري: (يوضحه أن اللفظ بمنزلة الكسوة للمعاني لا يجوز أن يكتسيها شخصان، كل واحد بكمالها في زمان واحد. فكذا لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على أحد مفهوميه بحيث يكون هو تمام معناه ويدل على المفهوم الآخر كذلك أيضًا في ذلك الزمان، نعم إنما يجوز ذلك لو كان كل واحد من مفهوميه: جزء المعنى، فتكون دلالته على المجموع من حيث هو مجموع وقد اتفقوا أنه ليس كذلك).
راجع: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري شريح أصول البزدوي (١/ ٤٠ - ٤١)، "المنار" للنسفي مع "شرح ابن مالك" و "حاشيتي ابن الحلبي وعزمي زاده" (١/ ١٤٣) فما بعدها. وانظر: "طلعة الشمس" للسالمي الإباضي (١/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>