للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول الانقياد والخضوع، وقد دل على شموله جميع الناس ذكر ﴿مَن فِي الأَرْضِ﴾، وبالتالي سجود الطاعة والعبادة، وهو غير شامل لجميع الناس) (١).

٣ - وقال بعض فقهاء الحنفية: إنه يجوز أن يراد بالمشترك كل واحد من معانيه في النفي دون الإثبات، وقد بنوا على ذلك ما جاء في باب الوصية من "أن من أوصى بثلث ماله لمواليه، وكان له موالٍ أعتقوه، وموالٍ أعتقهم، ومات الموصي قبل البيان بطلت وصيته" (٢).

وإنما حكموا ببطلان الوصية لأن اسم المولى مشترك بين المعتِق والمعتق، فيحتمل أن يكون المراد في الوصية المولى الأعلى وهو الذي أعتق، ويحتمل أن يكون المراد المولى الأسفل وهو الذي أُعتق، ولا يصح أن يكون كل منهما مرادًا: لأن المشترك وارد في الإثبات، والمشترك إذا ورد في الإثبات لا يفيد العموم، بل يكون المراد منه واحدًا من معانيه فقط. ولما كان الموصي قد مات ولم يعين من هو المراد في وصيته: وقعت الجهالة في الموصى له، والوصية للمجهول لا تصح (٣). وقد مر بنا أن المشترك الذي انسد باب الترجيح فيه هو نوع من أنواع المجمل عند الحنفية (٤).

وبنوا على ذلك أيضًا ما جاء في باب الأيمان: من أن من حلف لا يكلم موالي فلان، كان قَسَمُه شاملًا للمولى الأعلى والأسفل فيحنث بتكليمه أيَّ واحد منهما.


(١) راجع: "التلويح" للتفتازاني (١/ ٦٩)، وانظر: "الكشاف" (٣/ ١١٧) حيث يقرر الزمخشري من المعتزلة أنه يرفع "كثير" بفعل مضمر يدل عليه قوله: "يسجد" (أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة، قال: (ولم أقل: أفسر "يسجد" الذي هو ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء؛ لأن اللفظ الواحد لا يصح استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين).
(٢) انظر: "الهداية" مع "العناية" (٨/ ٤٧٧).
(٣) راجع: "الهداية" مع "العناية" و "نتائج الأفكار" (٨/ ٤٧٧ - ٤٧٨).
(٤) انظر ما سلف (١/ ٢٤٠ - ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>