نقول هذا كله غير ناسين أن من المتفق عليه بين الفريقين - إذا كان هنالك فريقان - أنه إذا توافرت القرينة التي تدل على التكرار، وكانت من القوة بحيث يمكن بها التحويل عن الظاهر إلى المحتمل، كان لا بد من السير مع ما دلت عليه تلك القرينة من التكرار، وعدم الاكتفاء بالمرة للخروج من العهدة، سواء أكان ذلك من جهة أن المرة أقل ما به يتحقق وجود المأمور به في الأصل، أم من جهة أنها مدلول عليها بخصوصها في صيغة الأمر.
[مسلك القائلين بالوقف]
مر بنا أن القاتلين بالوقف يتوقفون في كون صيغة الأمر، هي لمطلق الطلب، أو للمرة، أو للتكرار.
وقد استدلوا على مذهبهم بما استدلوا به للتوقف في كون صيغة الأمر المطلق للوجوب، أو لغيره.
فإذا كانوا هنالك ينفون قيام دليل على أن مدلول الأمر هو الوجوب أو غيره؛ فإنهم هنا ينفون قيام دليل على أن مدلول الأمر من ناحية الموحدة والكثرة، هو واحد من الثلاثة التي هي مطلق الطلب، والمرة، والتكرار.
وذلك لأن الدليل على استعمالها في هذا الواحد، دون غيره أما أن يقوم من طريق العقل، أو من طريق النقل، والعقل الصرف لا مدخل له في هذه الأمور، فلم يبق غير النقل.
فإما أن يقوم الدليل من طريق الآحاد، أو من طريق التواتر.
فإذا قام من طريق الآحاد: فهو غير مقبول، إذ الآحاد لا تفيد العلم، وهو المطلوب في هذه المسألة التي نحن بصددها.
أما التواتر: فلو حصل، لم يكن خلاف؛ لأنه يوجب استواء طبقات الباحثين فيه، إذ لا بد للكل من الاطلاع عليه لبذلهم جهدهم في طلبه، ولكن الاختلاف ثابت، ومعنى ذلك أن التواتر لم يقع.