للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - ومما استدلوا به أنه لو قال والد لولده: افعل هذا الفعل الآن، أو افعل هذا الفعل غدًا، لم يكن متناقضًا في الحالتين وكان ذلك مقبولًا منه، ولو كان الأمر مقتضيًا للفور لكان لفظ "الآن" في الأولى لغوًا، ولفظ "غدًا" في الثاني نقضًا لمعناه (١).

[مسلك القائلين بالفور]

أ - جاء فيما استدل به أهل هذا المذهب: أن كل مخبر بكلام خبري: كالقائل: زيد قائم، وعمرو في الدار، وكلُّ منشئٍ: كالقائل: بعت فلانًا، وهي طالق: فإنما يقصد الزمان الحاضر عند الإطلاق عن القرائن حتى يكون موجدًا للبيع والطلاق بما ذكر، فكذلك الأمر، إلحاقًا له بالأعم الأغلب. والجامع بينه وبين الخبر: أن كلًا منهما من أقسام الكلام، وبينه وبين سائر الإنشاءات التي يقصد بها الحاضر، كون كل منهما إنشاء (٢).

ولم يسلم هذا الدليل لأصحابه، وذلك لسببين:

أولهما: أنه قياس في اللغة، لأن فيما قالوه قياسًا للأمر في إفادته للفور على غيره من الخبر والإنشاء. والقياس في اللغة - كما هو معلوم - غير جائز.

الثاني: أن الأمر يفترق عن غيره من الخبر والإنشاء، وذلك أن الأمر فيه دلالة على الاستقبال قطعًا، فلا يمكن توجهه إلى الحال؛ لأن الحاصل لا يطلب، والاستقبال الذي يتوجه إليه الأمر؛ إما المطلق، وإما الأقرب إلى الحال، وكلاهما في حيز الاحتمال، فلا يصار إليه إلا الدليل.


(١) ومما استدل به أيضًا - كما يذكر الشوكاني - أن أهل اللغة قالوا: لا فرق بين قولنا: "تفعل" وبين قولنا: "افعل"، إلا أن الأول خبر، والثاني إنشاء، ولكن قولنا "تفعل" لا إشعار له بشيء من الأوقات، فإنه يكفي في صدقه الإتيان به في أي وقت كان، فكذلك الأمر، وإلا لكان بينهما فرق سوى كون أحدهما خبرًا والثاني إنشاء. انظر: "إرشاد الفحول" (ص ٩٤).
(٢) راجع: "مختصر المنتهى" مع "العضد" و "السعد" (٢/ ٨٤ - ٨٥)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>