للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحيوان المخصوص الذي وضعت له الكلمة على وجه القطع. ومع هذا يحتمل أن يكون المراد منه على سبيل المجاز: الرجل الشجاع، إلا أن هذا الاحتمال - مع كونه مرافقًا للقطع في المعنى الأول - لما لم يكن ناشئًا عن دليل: لم يقم له أي وزن، واعتبر مع العدم على حد سواء.

قال صاحب "كشف الأسرار": (وبيانه أن لفظ الأسد الموضوع للحيوان المخصوص في قولك: رأيت أسدًا من غير قرينة تقبل أن يراد به الشجاع مجازًا، فهذا هو الاحتمال، وإرادة الشجاع هو المحتمل. فإذا قلنا: المراد منه موضوعه قطعًا، فالمراد بالقطع المحتمل لأن ثبوته متوقف على قيام الدليل ولم يوجد، فيكون منقطعًا لا محالة، لا قطع الاحتمال. إذ صلاحية اللفظ باقية؛ حتى لو انقطع الاحتمال أيضًا يسمى محكمًا، فثبت أن القطع يجتمع مع الاحتمال) (١).

[مع عبد العزيز البخاري]

ولقد يسعنا أن نسير مع عبد العزيز البخاري في محاولته التدليل على إمكان اجتماع القطع مع الاحتمال؛ وذلك أن الاحتمال - كما يقول - صفة اللفظ وهو صلاحيتُه لأن يراد به غير الموضوع له، وإرادةُ الغير هو المحتمل، فقولنا: (قطعًا) راجع إلى المحتمل لا إلى الاحتمال.

رحم الله صاحب "كشف الأسرار" فقد أجهد نفسه في التفريق بين القطع المحتمل وقطع الاحتمال، ثم ثباتِ أن المراد القطع المحتمل لا قطع الاحتمال، أنه كان يكفيه تجلية أن المراد بالقطع معناه الأعم؛ لأنا مهما حاولنا: فالاحتمال واقع، وما أحسب القادحين في القطعية من أجل هذا الاحتمال متنكبين طريق الجادة. وإن كان التفريق بين المعنى الأعم للقطع والمعنى الأخص: تفريق مقبول ومقنع إلى حد كبير، بحيث يكاد الأمر يكون في حدود الاختلاف اللفظي والوقوف عند المصطلحات (٢).


(١) راجع المصدر السابق.
(٢) "التلويح" مع "التوضيح" (١/ ٣٤ - ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>