للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد زاد الرهاوي في حاشيته على "المنار" هذه النقطة إيضاحًا؛ حين قرر أن القائل بالقطع لا يقول بالمعنى الأخص، إذ احتمال المجاز قائم اتفاقًا. ولهذا يحق تأكيده فيكون المراد القطع بالمعنى الأعم، إذ الخلاف في المجرد عن القرائن الصارفة، والمعنى الأعم فيه قرينة. فيكون المراد نفي القطع بالمعنى الأخص (١).

وعلى هذا نكون انتهينا إلى أن أهل المذهب الأول والمعترضين: ملتقون عند الاحتمال، ولكن الأولين لا يرون مانعًا من القطعية لأنه احتمال غير ناشئ عن دليل، والمعترضون يرون أن الاحتمال - مطلقًا - قادح في القطعية؛ فإذا اعتبرنا القطع على نوعين: أعم وأخص، أصبح الخطب سهلًا وانحلت العقدة.

هذا وأمثلة الخاص كثيرة موفورة في نصوص الأحكام من الكتاب والسنة.

فقول الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النور: ٥٦].

يدل دلالة قطعية على وجوب إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الرسول، لأن صيغ الأوامر من قبيل "الخاص".

وفي قول الله جلَّ وعلا: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١] دلالةٌ قطعية على تحريم القتل بدون حق، لأن صيغ النواهي من "الخاص" أيضًا.

كذلك العدد من "الخاص" ففي قوله تعالى من آيات المواريث: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ


(١) راجع: "حاشية الرهاوي على شرح المنار" لابن ملك (١/ ٦٧ - ٦٨)، وانظر: "المرآة" (١/ ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>