منه في الظاهر - كما قدّمنا - لما زاد عليه من الوضوح بتلك القرينة. فكان النص أوْلى من الظاهر عند التقابل بينهما، ووجب حمل الظاهر عليه.
هل الوجوب قطعيٌّ في الظاهر والنص:
ولكن: هل وجوب العمل بما يدل عليه الظاهر والنص، هو على سبيل القطع، أو على سبيل الظن؟
أما مشايخ العراق، وفيهم الشيخ أبو الحسن الكرخي، وأبو بكر الجصاص: فمذهبهم وجوب العمل، أو ثبوت ما انتظمه كلُّ من الظاهر والنصر على وجه القطع واليقين.
وإليه ذهب القاضي أبو زيد الدبوسي، ومَن تابعه من عامة المعتزلة. وقد عبّر البزدوي عن ذلك بقوله:(حكم الظاهر ثبوت ما انتظمه يقينًا، وكذلك النص، إلا أن هذا عند التعارض أوْلى منه).
وهناك من يرى أن حكم الظاهر، وكذلك النص، وجوب العمل بما وضع له اللفظ ظاهرًا، لا قطعًا، مع الاحتمال المذكور، وتقديم النص عند التعارض، ووجوب اعتقاد حقيَّة ما أراد الله تعالى من ذلك.
وممن قال بهذا القول: الشيخ أبو منصور الماتريدي (١) وأصحاب الحديث، وبعض المعتزلة.
[رأينا في هذا الاختلاف]
والذي يبدو: أن محل النزاع بين الفريقين، هو اختلاف النظرة إلى الاحتمال البعيد - وهو الذي لا تدل عليه قرينة -.
فالفريق الأول، يرى أن هذا الاحتمال، لا عبرة له، فلا يتنافى مع القطعية. بينما يرى الفريق الثاني أن الاحتمال - وإن كان بعيدًا - يتنافى مع القطعية؛ فهو يوجب العمل دون العلم.
(١) هو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي نسبة إلى "ماتريد" - محلة بسمرقند - وهو من أئمة علماء الكلام، له كتب في التوحيد وأصول الفقه والجدل، من كتبه: "مآخذ الشرائع" في أصول الفقه، و"شرح الفقه الأكبر" المنسوب لأبي حنيفة. مات بسمرقند سنة ٣٣٣ هـ.