للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ماهية التأويل عند ابن حزم]

عرّف ابن حزم التأويل بقوله: (هو نقل اللفظ عما اقتضاه ظاهره وعما وضع له في اللغة إلى معنًى آخر. فإن كان نقلُه قد صحّ ببرهان وكان ناقله واجبَ الطاعةِ: فهو حق. وإن كان نقلُه بخلاف ذلك: اطُّرح ولم يُلتفت إليه، وحُكم على ذلك النقل بأنه باطل) (١).

فالأصل عند الظاهرية - وكما قرر ابن حزم - الأخذ بظاهر اللفظ من ناحية اللغة. فاللغات إنما رتّبها الله ﷿ ليقع بها البيان، واللغات ليست شيئًا غير الألفاظ المركبة على المعاني المبينة عن مسمياتها.

فلا يجوز أن يصرف اللفظ عن ظاهره ومعناه اللغوي، إلا بنص آخر، أو إجماع. قال ابن حزم في ذلك: (فإن قالوا: بأي شيء تعرفون ما صرف الكلام عن ظاهره؟ قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: تعرف ذلك بظاهر آخر مخبر بذلك، أو بإجماع متيقن منقولٍ عن النبي على أنه مصروف عن ظاهره) (٢).

وأخذًا من قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ [البقرة: ٩٣] ذامًّا لقوم يحرِّفون الكلم عن مواضعه، قرر ابن حزم أنه لا بيان أجلى من هذه الآية في أنه لا يحل صرف النصوص عن موضعها في اللغة، ولا تحريفها عن موضعها في اللسان. وفي قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] دليل على أن اتباع الظاهر فرض، وأنه لا يحل تعدّيه أصلًا.

وقد أخذ ابن حزم ذلك، لأن الآية نهت المؤمنين أن يقولوا الكلمة التي يتأولها اليهود إيذاءً لرسول الله ، إذ جعلوا ﴿رَاعِنَا﴾ من الرعونة، أو نوعًا من الشتم بلغتهم فأمر الصحابة أن يقولوا كلمة تؤدي معنى ﴿رَاعِنَا﴾ من المراعاة كما يريدونه هم وهي كلمة ﴿انْظُرْنَا﴾.


(١) انظر: "تاريخ التشريع الإسلامي" للخضري (ص ٢٦٧ - ٢٦٨)، "تاريخ التشريع الإسلامي ومصادره" للدكتور محمد سلام مذكور (ص ١٩٤ - ١٩٥)، "ابن حزم" لأستاذنا أبي زهرة (ص ٤١١) فما بعدها.
(٢) انظر: "الإحكام" لابن حزم (١/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>