للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما استشهد به ابن حزم لإثبات ما يقوله من وجوب الأخذ بالظاهر وعدم التحول عنه إلا بنص أو إجماع، ما ورد في شأن صلاة النبي عليه وسلم على رأس المنافقين ابن سلول عند وفاته من حديث ابن عمر: لما توفي عبد الله بن أُبي بن سلول قام النبي ليصلي عليه فقام عمر فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه! فقال رسول الله : "إنما خيّرني الله تعالى فقال: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] وسأزيد على السبعين مرة" قال: إنه منافق. فصلّى عليه رسول الله ، فأنزل الله ﷿: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [التوبة: ٨٤] (١).

ففي هذا الحديث بيان كاف في حمل كل شيء على ظاهره، إذ حمل رسول الله اللفظ الوارد بـ (أو) على التخيير، فلما جاء النهي المجرد حمله على الوجوب.

وإذا كان صرف الكلام عن ظاهره، والجنوح إلى التأويل عند الظاهرية، لا يكون إلا ببيان من نص القرآن، أو نص كلام رسول الله ، أو إجماع متيقن؛ فإن تجاوز هذه الحدود المرسومة، يعتبر في نظر ابن حزم افتراءً على الله وتعديًا لحدوده، كما ثبت ذلك في الكتاب والسنّة.

أ - فالله تعالى يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩] ويقول: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤].

واتباع غير هذا السبيل حرام وفسق ومعصية للّه تعالى، فمَن ترك ظاهر اللفظ، وطلب معانيَ لا يدل عليها لفظ الوحي، فقد افترى على الله ﷿.

ب - وقد روى ابن حزم أن عائشة أم المؤمنين قالت: "ما كان رسول الله يتأول شيئًا من القرآن، إلا آيًا بعدد أخبره بهن جبريل ".


(١) الحديث أخرجه البخاري (٤٦٧٠ - ٤٦٧٢)، ومسلم (٢٤٠٠) و (٢٧٧٤). وانظر: "تفسير ابن كثير" في سورة التوبة (٢/ ٧٨) "الكشاف" للزمخشري (٢/ ٢٣٣)، "فتح الباري" مع "الصحيح البخاري" ٨/ ٤٢٢ فما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>