للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل ذلك ما جاء في الحديث من قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" (١).

فالأمر بزيارة القبور هنا للإباحة، وقد جاء بعد منع الرسول منها كما هو نص الحديث (٢).

ومثله أيضًا ما أشرنا إليه من حديث ادخار لحوم الأضاحي حيث جاءت الإباحة بعد نهيه عنه.

وإذا كان الغالب في عرف الشرع استعمال الأمر بعد المنع والتحريم للإباحة، فذلك يدل على أن ورود الأمر بعد الحظر، قرينة على صرف الأمر عن الوجوب للإباحة، لأنه المتبادر إلى الفهم، وهو حاصل بالإباحة. والوجوبُ أو الندبُ لا بد له من دليل.

ويضاف إلى ذلك، أن عجز المأمور قرينة دالة على أن المقصود ظهور عجزه، لا وجود الفعل، فصار كأن الآمر قال: قد كنت منعتك فرقعت من كذا، فرفعت ذلك المنع، وأذنت لك فيه (٣).

[القول بالوجوب]

أما القول بالوجوب: فهو قول ابن حزم وعامة متأخري الحنفية، بل عزاه عبد العزيز البخاري في "كشف الأسرار" إلى عامة القائلين بالوجوب قبل الحظر وذلك قوله: (واعلم أن جمهور الأصوليين على أن موجب الأمر المطلق قبل الحظر وبعده سواء، فمن قال بأن موجبه التوقف أو الندب أو


(١) من حديث أخرجه مسلم في "صحيحه" (٩٧٧) من رواية بريدة، وفي لفظ للترمذي (١٠٥٤): "قد كنت نهيتكم من زيارة القبور، فقد أُذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة". وانظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" (٧/ ٤٦)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٤/ ١١٧).
(٢) وقال ابن حزم: هي فرض ولو مرة "المحلى" (٥/ ١٦٠).
(٣) راجع: "مفتاح الوصول" للتلمساني (ص ١٦)، "مختصر المنتهى" مع "العضد" و "السعد": (٢/ ٩١ - ٩٧)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>